فإن قلت : يمكن له القول بأنّ الإتيان بالفرد المحرّم ليس مسقطا بواسطة انتفاء الموضوع ، بل هو الإتيان بالواجب نظرا إلى ما تقدّم من إمكان أن يكون المقصود أعمّ من المطلوب ، فيحتمل أن يكون عدم إرادة الفرد المحرّم بواسطة قصور الطلب مع وجود المصلحة فيه أيضا.
قلت : وذلك وإن كان يبدو في ظاهر النظر ، إلاّ أنّ الواقع خلافه ، فإنّ المتراءى من أوامرنا هو تقييد العنوان أوّلا بغير المحرّم ثمّ يعرضه الطلب ، لا أنّه يخرج الفرد المحرّم بعروض الطلب كما قلنا بذلك هناك. ويظهر الثمرة فيما لو أتى بالفرد المحرّم نسيانا ، كأن صلّى في الدار المغصوبة مع عدم التفاته إلى الغصبيّة والحرمة ، فعلى ما ذكرنا لا يصحّ صلاته فيها ؛ لخروج الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة من عنوان الأمر بالصلاة ، ويصحّ على ما ذكره. ولا اختصاص لذلك بالتوصّلي حينئذ كما لا يخفى ، لجريانه في غيره أيضا.
وبالجملة ، فالظاهر أنّ الامور الراجعة إلى تصرّف الآمر على وجه لو لم نقل بذلك التصرّف يلزم نسبة القبح إليه ـ كإرادة الفرد المحرّم من المأمور به ـ معتبرة في المأمور به مع قطع النظر عن لحوق الأمر ، وإلاّ يلزم اجتماع الإرادة والكراهة في أمر واحد. وأمّا الامور التي لا مدخل لإرادة الآمر فيها ـ مثل العجز والجهل ونحو ذلك ـ فالظاهر أنّ اختصاص المطلوب بالمعلوم والمقدور بواسطة امتناع تعلّق الطلب من جهة قصور في نفس الطلب. فبان الفرق ، وفسد القياس.
لا يقال : يجوز تعلّق الطلب بالقدر المشترك بين الواجب والحرام ، إذ القبح إنّما يتأتّى بملاحظة خصوص الفرد المحرّم ، وبطلان الخاص من حيث الخصوصيّة لا يستلزم بطلان العامّ من حيث إنّه عامّ.
لأنّا نقول : إن اريد التسرية إلى الفرد المحرّم بذلك فغير سديد. وإن اريد مجرّد العموم وإن لم يسر الحكم إلى الفرد المحرّم فغير مفيد ، كما هو ظاهر لمن تبصّر.
وتفصيل الكلام في المقام موكول إلى بعض المباحث الآتية ، إن شاء الله تعالى.