والتحقيق من هذه الوجوه هو الوجه الأوّل ؛ لأنّ مطلوبيّة شيء للغير تقتضي مطلوبيّة ما يترتّب ذلك الغير عليه ، دون غيره ؛ لما عرفت من أنّ المطلوب فيه المقيّد من حيث كونه مقيّدا ، وهذا لا يتحقّق بدون القيد الذي هو فعل الغير. وأمّا القصد فلا يعقل له مدخل في حصول الواجب وإن اعتبر في الامتثال به. ثمّ فرّع على ما أفاده فروعا ، أهمّها تصحيح فعل الضدّ إذا توقّف فعل المأمور به على تركه مع القول بوجوب المقدّمة (١).
وقال في مقام آخر : إنّ مقدّمة الواجب لا تتّصف بالوجوب والمطلوبيّة من حيث كونها مقدّمة إلاّ إذا ترتّب عليها وجود ذي المقدّمة ، لا بمعنى أنّ وجوبها مشروط بوجوده فيلزم أن لا يكون خطاب بالمقدّمة أصلا على تقدير عدمه ؛ فإنّ ذلك متّضح الفساد. كيف! وإطلاق وجوبها وعدمه عندنا تابع لإطلاق وجوبه وعدمه. بل بمعنى أنّ وقوعها على الوجه الواجب المطلوب منوط بحصول الواجب ، حتّى أنّه إذا وقعت مجرّدة عنه تجرّدت عن وصف المطلوبيّة ، لعدم وقوعها على الوجه المعتبر ، فالتوصّل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها ، لا من قبيل شرط الوجوب. وهذا عندي هو التحقيق الذي لا مزيد عليه وإن لم أقف على من يتفطن له.
قال : والذي يدلّك على هذا أنّ وجوب المقدّمة لمّا كان من باب الملازمة العقليّة ، فالعقل لا يدلّ عليه زائدا على القدر المذكور. وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم : اريد الحجّ واريد المسير الذي يتوصّل به إلى فعل الواجب دون ما لم يتوصّل به إليه ، بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك ، كما أنّها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيّتها له مطلقا أو على تقدير التوصّل بها إليه ، وذلك آية
__________________
(١) الفصول : ٨١.