وأمّا في المقدّمات العباديّة فلا ملازمة أيضا ، إذ مجرّد القصد إلى الغير حال الاشتغال بالمقدّمة يجزي عن وقوعها على وجه الامتثال وإن لم يترتّب عليه فعل الغير لمانع اختيارا أو اضطرارا بناء على المختار. بخلافه على القول المذكور ، فإنّه لم يقع على صفة الوجوب فضلا عن وقوعه على صفة الامتثال عند التخلّف ، فلا ربط بين المقامين ، بل للقائل بأحدهما في أحد المقامين اختيار كلّ من طرفي النفي والإثبات في المقام الآخر. ولعلّ ذلك ظاهر. ومن هنا ترى هذا القائل قد التزم باعتبار القصد في الامتثال بالواجب الغيري مع عدم اعتبار القصد في الوجوب ، كما يظهر من قوله : « وإن اعتبر في الامتثال به » (١).
وكيف كان ، فوضوح فساد هذه المقالة بمكان لا نقدر على تصوّر ما أفاده فضلا عن التصديق به! ونحن بمعزل عن ذلك بمراحل ؛ فإنّه إمّا قول بوجوب خصوص العلّة التامّة من المقدّمات ويلازمه القول بوجوب الأجزاء التي تركّبت العلّة منها فيؤول إلى ما ذهب إليه المشهور ، وإمّا قول بعدم وجوب المقدّمة.
وكشف الحال في ذكر ما يرد عليها تفصيلا ، فنقول : يرد عليها امور :
أمّا أوّلا : فلأنّه قد مرّ فيما تقدّم (٢) أنّ الحاكم بوجوب المقدّمة على القول به هو العقل ، وهو القاضي فيما وقع من الاختلافات فيه ، ونحن بعد ما استقصينا التأمّل لا نرى للحكم بوجوب المقدّمة وجها ، إلاّ من حيث إنّ عدمها يوجب عدم المطلوب ، وهذه الحيثيّة هي التي يشترك فيها جميع المقدّمات وإن اختصّ بعضها بالاستلزام الوجودي أيضا كما في العلّة التامّة مثلا ، فما هو المناط في حكم العقل بوجوب المقدّمة هو الاستلزام العدمي من حيث إنّ لوجودها مدخلا في وجود المعلول ، فملاك الطلب
__________________
(١) الفصول : ٨١.
(٢) في ( ط ) زيادة : مرارا.