وبالجملة ، فعلى ما ذكرنا يظهر أنّه ليس القول بالوجوب أو القول بالعدم ضروريّ الفساد ، كما قد يظهر كلّ من الدعويين من الفريقين ، بل التحقيق : أنّ المسألة نظريّة لا وجه لإرسالها في الضروريّات ، كما ادّعاه المحقّق الدواني (١).
نعم ، لو كان المراد بكونها ضروريّة أنّه يكفي في رفع التشاجر ملاحظة الوجدان الخالي عن شوائب الأوهام ـ وإن لم يكن وجود تلك الحالة بمرتبة من الظهور على وجه يعدّ منكرها من المكابر المتعسّف ـ كان لها وجه ؛ فإنّ الإنصاف أنّا نجد من أنفسنا من بعد حدوث الإرادة المتعلّقة بالواجب نسبة متعلّقة بمقدّماته على وجه لم يكن لتلك النسبة قبل تعلّق الإرادة به في أنفسنا عين ولا أثر. ونظير ذلك في وجود النسبة مع الغفلة أنّ العبد يجد من نفس المولى حالة نفسانيّة وإن لم يكن من حقيقة الطلب بالنسبة إلى قتل ولده أو إكرامه.
وكيف كان ، فالأظهر في النظر أنّه مع قطع النظر عن الوجوب العقلي والوجوب العرضي والوجوب الإرشادي يكون في المقدّمة وجوب آخر بالمعنى الذي ذكرناه ، والدليل على ذلك هو الوجدان وإن لم يكن ظهوره في الوجدان بمثابة يعدّ منكره مكابرا ، فإنّ مراتب الوجدانيّات في الظهور والخفاء بل ومطلق الضروريّات ممّا لا ينبغي التأمّل في اختلافها.
واعلم أنّ الاقتضاء المستعمل عندهم في عنوان هذه المسألة قد عرفت أنّ المراد به هو الاستلزام العقلي ، ولا مدخل للّفظ فيه ، لعموم الكلام في المقام فيما إذا ثبت الوجوب بالعقل. نعم ، إذا كان الدليل المفيد للوجوب لفظا صحّ الاقتضاء اللفظي ، فيكون وجوب المقدّمة من جهة الدلالة الالتزاميّة فيما لو لم يعتبر فيها اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ أو مطلقا ، إذ اللزوم على القول به ليس على وجه يكفي في
__________________
(١) حكاه عنه المحقّق النراقي في المناهج : ٤٩.