وبالجملة ، فالقائل بالوجوب إن أراد الوجوب النفسي أو الأصلي ففساد المقالة ممّا يغني بواسطة بداهتها عن إفسادها ، والنافي إن أراد نفي اللابدّية أو الوجوب العرضي أو الوجوب الإرشادي فالضرورة قاضية بخلافه.
فما ينبغي أن يكون مورد النزاع هو الوجوب التبعي الغيري ، بمعنى أنّ وجوب شيء وإرادته هل يستلزم إرادة إجمالية لمقدّمته ، على وجه لو اريد كشف ذلك الأمر وتفصيله لكان الحاصل منه طلبا أصليّا موجودا في نحو قولنا : « اذهب إلى السوق » أو لا؟
وبعبارة اخرى نقول : لا شكّ في أنّ الطلب في قولنا : « اذهب إلى السوق » طلب غيري وإن كان أصليّا. ولا فرق بين هذه المقدّمة وغيرها من المقدّمات من حيث توقّف الواجب عليها ، فيكون النزاع في أنّ المريد لشيء هل يثبت له حالة نفسانيّة بعد الإرادة بالنسبة إلى المقدّمات على وجه لو التفت إليها صحّ له طلبها على نحو الطلب في قولنا : « اذهب إلى السوق » أو لم يثبت؟ فالنافي يقول بعدمها ، بل الموجود هو أحد المعاني المذكورة من الإرشاد والوجوب العرضي والوجوب العقلي بمعنى اللابدّية. والمثبت يقول بوجودها مضافا إلى الوجوب بأحد المعاني السابقة.
وبالجملة ، فنسبة الطلب الموجود في قولنا : « اذهب إلى السوق » عند القائل بالوجوب إلى الحالة النفسانيّة الطارئة بعد حدوث الطلب النفسي بالنسبة إلى المقدّمة نسبة التفصيل إلى الإجمال ، وعند القائل بالعدم يكون موجودا بنفسه لا يقاس بالنسبة إلى حالة نفسانيّة.
ثمّ إنّه يمكن أن يكون النزاع في أنّ هذه الحالة الإجماليّة التي يفصّلها الطلب الموجود في « اذهب إلى السوق » هل هي من مقولة الطلب لتتّصف المقدّمة بالوجوب والطلب ، أو لا يكون من معنى الطلب والوجوب فهي موجودة ولكنّها لا توجب وجوب المقدّمة؟ والأظهر أنّ النزاع إنّما هو في وجود تلك الحالة ، لا في أنّها من الطلب أولا.