أمّا عن الوجدان : فبأنّ المنصف إذا راجع وجدانه في صدور الأفعال الاختياريّة يجد من نفسه عدم التوقّف ؛ فإنّ بعد تصوّر الفعل والقطع بأنّ فيه منفعة غير معارضة لا يتوقّف صدور الفعل على حالة منتظرة ، إذ النفس إمّا أن تكون فارغة عن فعل من الأفعال المضادّة لذلك الفعل المتصوّر أو لا يكون ، وعلى الوجهين لا بدّ من حصول ذلك. أمّا على الأوّل فظاهر. وأمّا على الثاني ، فلأنّ المفروض عدم مقاومة النفع المحرّك لصدوره للنفع الموجود في ذلك الفعل ، فلا بدّ من انقطاعه والاشتغال بما هو أتمّ نفعا في الأفعال المنوطة بالإرادة والدواعي ، وما يتخيّل من التوقّف فهو إنّما هو بواسطة عدم التعمّق في كيفيّة صدور الأفعال الإراديّة. نعم ، لو لم يكن وجود علّة صدور أحدهما كافيا في عدم الآخر كان الحكم بالتوقّف بحسب الوجدان في محلّه.
وأمّا عن الدليل الثاني : فبأنّ التمانع وامتناع الاجتماع في محلّ واحد إنّما يقضي بالتوقّف فيما إذا لم يكن ذلك العدم مساويا في الرتبة لوجود الضدّ الآخر ، وبعد ما عرفت من التساوي فلا وجه للحكم بالتوقّف ، بل يكفي في ردّ الدليل احتمال التساوي كما لا يخفى على الناظر ، فنختار الشقّ الأوّل من الترديد الواقع في دفع السؤال هناك مرّة ونقول : إنّ التمانع بمعنى عدم إمكان اجتماعهما في الوجود لا يقضي بالتوقّف كما في سائر أقسام التقابل ، والشق الثاني مرّة اخرى ونقول : إنّ عدم التمانع بمعنى عدم توقّف وجود أحدهما على عدم الآخر لا يقضي بالاجتماع في الوجود كما في سائر أقسام التقابل أيضا ؛ مضافا إلى أنّ الكبرى في ذلك الدليل لا يخلو عن منع ، فإنّ الموارد التي حكموا فيها بأنّ عدم الشيء شرط ووجوده مانع يحتمل أن يراد به التعبير والعنوان ، كأن يكون الشرط واقعا أمرا وجوديّا وإنّما جعل ذلك العدم عنوانا عنه.
وأمّا الجواب عن الوجه الثالث : أنّ فرض انقلاب كلّ موجود معدوما