الثالث : أنّ ما ذكره من التفصيل ـ بعد الغضّ عن جميع ما ذكرنا وقبول حجّته (١) ـ إنّما يتمّ في الأضداد القارّة كالسواد والبياض ، وأمّا في الأضداد الغير القارّة ـ كالحركة والسكون وغيرهما من أفعال المكلّفين التي كلامنا فيها ـ فلا سبيل إليه ، لأنّا نعلم بالضرورة والوجدان أنّ المشتغل بالصلاة مثلا إذا حصل له ما يقتضي الإزالة مثلا ـ من الشوق والإرادة والعزم وغير ذلك من الامور التي لا بدّ منها في تحقّق الأفعال الاختياريّة ـ فيقطع الصلاة قهرا ، فيكون انقطاعها ووجود الإزالة في مرتبة واحدة من الوجود لا يمكن جعل أحدهما من مقدّمات وجود الآخر جدّا ؛ على أنّ المحتاج إليه في تحقّق الإزالة إنّما هو خلوّ زمانها عن فعل الصلاة مثلا ، ولا ريب أنّ قطع الصلاة ورفعها لا حاجة للإزالة إليهما إلاّ من جهة تفريغ زمانها عن فعل ضدّها كالصلاة ، فيكون الذي يتوقّف عليه فعل الإزالة حقيقة هو عدم الصلاة في زمان ذلك الفعل مطلقا ، سواء كان مسبوقا بالوجود فرفع أو كان باقيا على الحالة الاولى ، وحينئذ فجعل الرفع من مقدّمات مجيء الضدّ المعدوم حقيقة يرجع إلى كون مطلق عدم الضدّ من المقدّمات ، فيكون الرفع مقدّمة لتحصيل المقدّمة التي هي خلوّ زمان الضدّ عن ضدّه ، فيعود الدور الذي كان رفعه موقوفا على عدم كون مطلق العدم من المقدّمات.
فتدبّر جيّدا في المقام ، فإنّه مزلّة للأقدام ومعركة للآراء ومن غوامض المطالب. ولا أظنّك بعد الإحاطة بجميع ما تلونا عليك حقّ الإحاطة والتأمّل فيه كمال التأمّل ذا مرية في عدم توقّف شيء من فعل الضدّ على فعل ضدّه وتركه (٢) ، وإن اشتهر توقّف الفعل على الترك خاصّة من دون عكس بين كثير من أعاظم
__________________
(١) في ( م ) و ( ط ) : حجّتيه.
(٢) في مصحّحة ( ع ) : من فعل الضدّ وتركه على وجود فعل ضدّه وتركه.