ثمّ إنّ جهات الضيق والتوسعة (١) ـ على المعنى الذي فسّرناهما به ( وهو الحقّ ) من كون الأوّل عبارة عن مطلق الحرج والثاني عبارة عن خلافه ـ يختلفان باختلاف الجهات والاعتبارات.
فمن وجوه الضيق والتوسعة : أن يكون زمان المأمور به مضيّقا وزمان الضدّ موسّعا. وهذا أظهر الوجوه وأشهرها ، ومثاله واضح.
ومنها : أن يكون المأمور به واجبا عينيّا مضيّقا بحسب الزمان ـ كالصوم مثلا ـ وكان الضدّ أيضا واجبا مضيّقا ولكن كان تخييريّا لا عينيّا ، مثل ما إذا كان على المكلّف كفّارة الخصال فورا وكان بعض أقسامها منافيا للصوم الذي فرض وجوبه عينيّا مضيّقا ، فإنّ الأمر بالصوم المزبور يقتضي النهي عن الضدّ المفروض وجوبه تخييريّا ، إذ يجب على المكلّف حينئذ اختيار الفرد الآخر الغير المنافي للصوم من أفراد الكفّارة. ومثل ما إذا وجب عليه السفر للزيارة بنذر مضيّقا وكان عليه إحدى الكفّارات على سبيل الضيق أيضا ، فإنّه يجب عليه اختيار غير الصوم من الكفّارة بناء على مضادته شرعا مع السفر ، فالأمر المضيّق يقتضي النهي عن المضيّق أيضا إذا اختلفا من حيث العينيّة والتخييريّة.
ومنها : أن يكون الضدّ مستحبّا ، فإنّ الأمر الوجوبي المضيّق يقتضي النهي عن ضدّه المستحبّ ولو كان مضيّقا أيضا. وغير ذلك من الوجوه التي لا تخفى على المتأمّل.
ثمّ إنّ التفصيل الذي ذكره بقوله : « وقد يفصّل » ممّا لا غبار عليه ؛ لأنّا نقول أيضا : إنّه إذا تزاحم المضيّق والموسّع فالترجيح للأوّل مطلقا ، وإذا تزاحم المضيّقان فالحكم هو التخيير إن لم يكن أحدهما أهمّ في نظر الشارع.
__________________
(١) في ( م ) و ( ط ) : في التوسعة.