ومن وجوه الأهميّة غالبا : كون أحدهما من حقوق الناس. ولكنّه ربما يكون الاهتمام في حقّ الله ـ كحفظ نفس الإمام وبيضة الإسلام (١) ـ أهمّ في نظر الشارع قطعا. والدليل على التخيير عند التساوي ، هو : أنّ الحكم بأخذ أحدهما معيّنا لا بدّ له من ترجيح ، وإلاّ لكان تحكّما وترجيحا بلا مرجّح ، والمفروض مساواتهما في الرجحان. وليس هذا التزام تخصيص في دليل أحدهما ، لأنّا نعلم قطعا ببقاء إطلاق الأمر فيهما معا ، ولكن الذي يدعونا إلى ترك أحدهما تخييرا هو تعذّر الامتثال بهما معا ، فكان العقل لمّا رأى (٢) مساواتهما في نظر الشارع والمصلحة الكامنة الموجبة للطلب ورأى (٣) عدم إمكان الجمع بين الامتثالين ، حكم بمعذوريّة المكلّف في ترك الامتثال بأحدهما لا على التعيين ، فخروج أحدهما من تحت الطلب الفعلي إنّما هو من جهة وجود المانع الذي هو تعذّر الامتثال ، لا فقدان المقتضي ، لأنّ المفروض أنّ كلّ واحد منهما واجد للمصلحة المقتضية للأمر حال المزاحمة نحو وجدانهما إيّاها في غير حال المزاحمة ، وإلاّ لخرج المقام عن مقام تعارض الواجبين المفروض وجوبهما معا في آن واحد ، ففرق إذا بين أن يكون الخروج من المطلوبيّة بسبب فقدان المقتضي مثل قوله : [ « أنقذ الغريق إلاّ زيدا الكافر » وبين أن يكون الخروج باعتبار وجود المانع عن الامتثال مع وجود المقتضي مثل قوله ](٤) : « أنقذ الغريق » الشامل لزيد وعمرو إذا فرض توقّف إنقاذ أحدهما على عدم إنقاذ الآخر ، فإنّ خروج أحدهما الكلّي من تحت الطلب الفعلي ليس باعتبار فقدان مقتضى الوجوب في أحد الإنقاذين ، بل باعتبار وجود المانع الذي هو تعذّر الامتثال.
__________________
(١) في ( ع ) : زيادة : إذا زاحمه أداء الدين ، فإنّ الأوّلين.
(٢) في ( ع ) و ( ط ) : فكان الفعل لما كان.
(٣) في ( ع ) و ( ط ) : وراء.
(٤) من هامش مصحّحة ( ع ).