ومن هنا ينقدح وجه كون الوجوب المتنازع فيه في بحث مقدّمة الواجب هو الوجوب الأصلي النفسي عنده رحمهالله كما تقدّم ؛ لأنّ حرمة الضدّ بزعمه إنّما تثبت من جهة المقدّميّة ، وإذ قد ثبت كون الحرمة هذه حرمة نفسيّة حاصلة من النهي النفسي الأصلي ثبت (١) أنّ الوجوب المتنازع فيه في بحث مقدّمة الواجب أصليّ شرعي.
والتحقيق عندنا ـ كما مرّ في ذلك المبحث ـ أنّ وجوب المقدّمة وجوب تبعيّ لا أصليّ ، وعلى هذا يلزم التعميم في النهي المتنازع فيه هنا ؛ لأنّ الحقّ الموافق للتحقيق والمشهور أيضا أنّ النهي المتعلّق بالأضداد الخاصّة ـ على القول به ـ ليس من جهة العينيّة ، بل من جهة الاستلزام أو المقدّميّة ، فلو خصّصناه بالنهي الأصلي فكيف ينطبق هذا على القول (٢)؟
وأمّا ما ذكر : من أنّ حكمهم بفساد الضدّ يدلّ على كون النهي المتنازع فيه نفسيّا ، ففيه : أنّ منشأ الفساد إنّما هي المبغوضيّة ، والنهي إنّما يقتضي الفساد من جهة كشفه عنها ، والمبغوضيّة ليست من خصائص النهي الأصلي ، إذ قد يجتمع مع النهي التبعي أيضا ولو كانت المبغوضيّة أيضا تبعيّة ، وقد لا يجتمع مع النهي الأصلي ، إذ قد يكون النهي الأصلي غيريّا ، وقد تقدّم في مقدّمة الواجب أنّ الأوامر الغيريّة غير واجدة للمصالح أصلا إلاّ الوصلة إلى الغير فكذا النواهي ، فتدبّر جيّدا.
__________________
(١) في ( ع ) بدل « ثبت » : ظهر.
(٢) في مصحّحة ( ع ) : هذا مع هذا.