شرائط التكليف لا يقدح في مدّعى الكعبي ، لأنّ غرضه أنّ الشارع لم يجعل أحكاما خمسة ، بل إنّما جعل أحكاما أربعة أو حكمين مثلا (١) ؛ لأنّ ما عدا الواجب والمحرّم واجب نحو وجوب ترك الحرام ، فكما أنّ خروج ترك الحرام عن وصف الوجوب أحيانا لا يقدح في كون حكم الله الأوّلي في حقّه (٢) هو الوجوب وفي فعله هو التحريم ، كذلك سقوط التكليف عن فعل المباحات باعتبار عدم تعلّق التكليف بما هو مطلوب لأجله من ترك الحرام لا يوجب اتّصافه بالإباحة وخروجه عن صفة الوجوب الغيري بحسب جعل الله الأوّلي وحكمه الواقعي. نعم ، هذا الجواب سديد ممّن ادّعى عدم اتّصاف شيء في العالم بالإباحة أبدا. ولعله لا يقول به الكعبي ، وإلاّ فالجواب في محلّه.
واخرى (٣) : بمنع المقدّمية ؛ نظرا إلى منع علّية فعل المباح لترك الحرام حتّى يكون مقدّمة سببيّة له ، لأنّ ترك الشيء مستند إلى وجود الصارف عنه ، فمع وجوده يكون فعل المباح من مقارنات ترك الحرام اتّفاقا من غير استناد الترك إلى فعله. ولو فرض انتفاء الصارف ووجود الداعي إلى الحرام كان فعل المباح حينئذ مقدّمة سببيّة لترك الحرام. فعلى القول بوجوب المقدّمات لا بدّ من الالتزام بوجوبه ، ولكنه لا ينهض بإثبات دعوى الكعبي ؛ لأنّه لا يلزم من كون فعل المباحات مقدّمة لترك الحرام حال انتفاء الصارف نفي المباح رأسا ، بل إنّما يلزم وجوب أحدها في بعض الأحيان ، ولا ضير فيه.
واعترض على هذا الجواب : بأنّه على هذا التقدير يثبت الوجوب التخييري
__________________
(١) في ( م ) بدل « مثلا » : متلازمين.
(٢) في ( ع ) كتب فوق « حقّه » : تركه. وتحتها : صفته.
(٣) عطف على قوله : فقد اجيب عنه تارة.