وممّا ذكرنا ظهر حكم المعلولين لعلّة واحدة ، فإنّه إذا قلنا باقتضاء حرمة المعلول حرمة العلّة وبالعكس ، فلا بدّ من اقتضاء حرمة أحد المعلولين حرمة الآخر بالضرورة.
ومن جميع ذلك ظهر فساد قول الكعبي ، وزالت شبهته : من وجوب المباحات الذاتيّة بالعرض ، لأنّ غاية ما يستدلّ على ذلك امور ثلاثة :
أحدها : أنّ فعل المباح مقدّمة لترك الحرام ، وهذا واجب ، فيكون فعل المباح كذلك.
وثانيها : أنّ ترك الحرام وفعل المباح متلازمان في الوجود الخارجي ، فيكونان متّحدين في الحكم ، لاستحالة اختلاف المتلازمين في الحكم.
وثالثها : أنّ ترك الحرام عين فعل المباح ، فوجوب تركه ليس إلاّ وجوب فعل المباح.
وفساد الكل واضح.
أمّا الأوّل ، فقد اجيب عنه تارة : بفرض الكلام في حال خلوّ المكلّف من شرائط التكليف ، كالغفلة والاضطرار ونحوهما ممّا لا تكليف معه ، فإنّ ترك الحرام في تلك الحالة غير مأمور به ، لعدم توجّه النهي إلى الغافل أو المضطرّ ـ مثلا ـ حتى يكون ترك المنهيّ واجبا. وحينئذ فلا يعرض الوجوب المقدّمي للأضداد المباحة للفعل المحرّم ، فلا يلزم من وجوب ترك الحرام وتوقّفه على فعل المباح نفي المباح رأسا ، وإنّما يلزم وجوب المباح أحيانا ، كما في حال تعلّق التكليف بترك الحرام.
وهذا الجواب منقول من السلطان في حاشيته على المعالم (١) ، وليس بمرضيّ على التحقيق ؛ لأنّ عروض الإباحة للمباحات بالعرض وحال خلوّ المكلّف عن
__________________
(١) حاشية سلطان العلماء : ٢٨٥.