العنوان. وقلنا : إنّ الوجوب الثابت للطبائع لا يسري إلى الأفراد ، وإلاّ لزم كون جميع الأفراد واجبات عينيّة إذا كان الأمر المتعلّق بالكلّي أمرا عينيّا لا غيريّا. ونزيد هنا في تزييف هذا القول الذي ذهب إليه بعض من متأخّري المتأخّرين ـ كصاحب الرياض على ما صرّح به في مبحث العلم بغصبيّة الثوب (١) ـ ونقول : إنّ القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي عدم الأمر بضدّه لا النهي عنه لا دليل عليه إلاّ دعوى كون الأمر بالضدّين تكليفا بالمحال ، فلا بدّ من الحكم بعدم تعلّق الأمر بأحدهما إذا ثبت وجوب الآخر عينا.
وفيه : أنّه إن أردت من تعلّق الأمر بالضدّين تعلّق الأمر الشرعي أو العقلي بهما عينيّا أو تخييريّا شرعيّا أو عقليّا ، فالأمر كما ذكرت من كونه تكليفا بالمحال ، ولكن مصادمة فرد من أفراد الواجب الموسّع مع الواجب المضيّق ليس من هذا القبيل ، لأنّ الفرد بخصوصه ليس ممّا ورد فيه أمر شرعيّ أو عقليّ عينيّا أو تخييريّا ؛ لأنّ معنى كون الفرد مأمورا به كون الكلّي الذي هو فرده مطلوبا للشارع ثمّ انطباق ذلك الفرد على ذلك الكلّي ، فليس الفرد في فرديّته مأمورا به في شيء.
وما يقال : من توقّف صحّة العبادة على الأمر فليس معناه إلاّ ورود الأمر على عنوان تلك العبادة وطبيعتها ، مثلا إذا قال الآمر : « ائتني برجل » فالمأمور به هنا إنّما هو الإتيان بالكلّي المنطبق على خصوصيّات الإتيان بحسب الزمان والمكان والمأتيّ به ، وأمّا خصوصيّات الإتيان وأفرادها فلم يتعلّق بها عن الكلّي انطباقه عليها وحصوله في ضمنها.
وما يقال : من أنّ حكم الطبيعة لا بدّ وأن يسري إلى الأفراد ، نظير سريان الحلاوة الثابتة لطبيعة التمر إلى جميع أفراده.
__________________
(١) الرياض ٣ : ١٩٠ ـ ١٩١.