فجوابه : أنّ أحكام الطبائع ولوازمها مختلفة ، فمنها : ما هو ثابت لها من حيث هي مع قطع النظر عن الوجود الذهني والخارجي ، ومنها : ما هو ثابت لها بشرط وجودها في الخارج ، ومنها : ما هو ثابت لها بشرط الوجود الذهني كما في القضايا الطبيعيّة ، مثل قولنا : « الإنسان نوع والحيوان جنس » وأمثال ذلك.
وما ذكر من السريان إنّما هو مسلّم في الأوّلين ، وأمّا في الثالث فمن الواضح امتناع السريان فيه ، وإلاّ لكان كلّ فرد من أفراد الحيوان جنسا. والوجوب العارض للماهيّات من هذا القبيل ، فإنّه ليس عارضا للطبيعة من حيث هي هي ، ولا بها بشرط وجودها في الخارج ، بل يعرض لها بشرط وجودها الذهني. وإنّما قلنا كذلك ، لأنّ الوجوب في الحقيقة ليس من صفات الماهيّة بل هو عبارة عن الطلب القائم بنفس المتكلّم المتعلّق بإيجاد تلك الطبيعة ، وطلب الإيجاد لا يمكن أن يعتبر فيه بشرط كون المطلوب في الذهن دون الخارج. وإن أردت من تعلّق الأمر بهما تعلّق الأمر بأحدهما وبكلّي الآخر فما ذكرت من كونه تكليفا بالمسمّى ممنوع ، لأنّ المسمّى إنّما هو طلب الأمرين لا طلب أحدهما. والظاهر انطباق الآخر على المطلوب.
لا يقال : كلّ ما ذكرت ـ بعد تسليمه ـ إنّما يقضي بعدم تعلّق الأمر الشرعي بالفرد لا عينا ولا تخييرا ، وأمّا الأمر العقلي التخييري فليس في وسعك إنكار هذا ، لأنّ العقل إذا وجد تعلّق الأمر بالكلّي حكم بكون كلّ واحد من أفراده مطلوبا على جهة التخيير ، وهذا الطلب العقلي التخييري أيضا يستحيل اجتماعه مع طلب ضدّه عينا.
لأنّا نقول : إن أردت بالتخيير العقلي حكم العقل بكون الأفراد مطلوبة للشارع على سبيل التخيير ، فهذا يرجع إلى التخيير الشرعي ، إذ لا نعني بالتخيير الشرعي إلاّ طلب الشارع أشياء على جهة التخيير كالخصال ، وهذا أوّل الكلام.