وإن أردت بالتخيير العقلي أنّ العقل إذا وجد تعلّق الأمر بعنوان كلّي ولم يجد التخصيص حكم بحصول الامتثال في ضمن كلّ فرد ، فهذا بعينه هو الانطباق الذي ادّعينا كونه كافيا في الامتثال وأنّه ليس من الطلب في شيء.
فإن قلت : إنّ الذي سمّيته بانطباق الفرد على الكلّي هو الذي يعدّ امرا عرفا وحكمه حكم الأمر الصريح في صحّة العمل وسقوط (١) التكليف وحصول الإجزاء وترتّب الثواب والعقاب والإطاعة والعصيان وغيرها من أحكام المأمور به ، سمّيته بالأمر أم لا ، ولا ريب في استحالة هذا الانطباق في أحد الضدّين على وجه يؤثّر في الصحّة مع تعلّق الأمر بالضدّ الآخر.
قلت : هذا ممنوع ، فإنّ القبح والاستحالة إنّما هي في خصائص تعلّق الطلب بالضدّين ، فلا يثبت بطلب أحدهما وانطباق الآخر على المطلوب.
ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرنا ليس مبنيّا على القول بكون متعلّق الأمر هي الطبيعة دون الفرد ـ كما يتوهّم من ظاهر كلماتنا ـ بل لو قيل بتعلّق الأوامر بالأفراد لتمّ ما ذكرنا أيضا ، لأنّ معنى تعلّق الأمر بالفرد أنّ المطلوب إنّما هو الحصّة من الطبيعة في الخارج في ضمن فرد ما ، ولا ريب أنّ نسبة فرد ما إلى خصوص الأفراد مثل نسبة الكلّي إلى الأفراد. وحينئذ نقول : إنّ المطلوب إنّما هو أحد الأفراد على سبيل البدليّة ، ومعنى البدليّة حصول الامتثال بكلّ فرد لانطباقه على فرد ما ، فتدبّر جيّدا.
نعم ، يمكن أن يستدلّ على هذا القول بنحو ما اخترنا في هذه المسألة ومسألة مقدّمة الواجب : من أنّ الأمر التخييري الشرعي الشأني ثابت لجميع الأفراد ولو كان الأمر الفعلي منتفيا ؛ لأنّ الآمر إذا التفت إلى الأفراد [ و ] أراد أن يثبت لها حكما من الأحكام امتنع أن يثبت شيئا إلاّ الوجوب التخييري ، وحينئذ أمكن دعوى
__________________
(١) في ( م ) : ثبوت.