أوّلا : إنّ المستدلّ بالدليل المذكور هو الأشعري الذي لا يقول بمقالة العدليّة من ثبوت المصالح والمفاسد وإن تابعهم في ذلك بعض العدليّة (١) أيضا ، إلاّ أنّ المناسب هو الجواب على وجه لا يبتني على قواعد العدليّة إلزاما للأشعري أيضا.
وثانيا : أنّ الكاشف عن وجود المنقصة في الفرد المكروه إمّا العقل وإمّا الشرع ، إذ لا ثالث في المقام ، وشيء منهما لا يدلّ على ذلك.
أمّا العقل فظاهر ، حيث إنّه لا سبيل له إلاّ في ما يستقلّ هو في إدراك حكمه ، وموارد النقض ليس منها.
وأمّا الشرع ، فلا نعرف منه شيئا يدلّ على المنقصة إلاّ النهي من قبيل البرهان الإنّي ، فإنّ المنقصة تستتبع النهي ، والمفروض في المقام عدم النهي ، لامتناع اجتماع الطلبين ، فالقول بثبوت المنقصة وعدم ثبوت الطلب قول بلا دليل يشبه أن يكون رجما بالغيب ، فإنّه لا يعلم إلاّ من الله ورسوله والراسخين في العلم ، كما هو ظاهر.
فإن قلت : قد علمنا من عنوان الدليل الوارد في مقام الحكم مثل قوله : « لا تتصرّف في المال المشتبه » وغيره ، أنّ هذا العنوان مشتمل على جهة منقصة تقتضي الكراهة ، وإلاّ لم يتعلّق النهي به. وقد علمنا أيضا من عروض الوجوب لفرد من الأفراد الداخلة في ذلك العنوان اشتمال ذلك الفرد على مصلحة الوجوب ، وهو لا ينافي وجود الجهة ، بل هو مانع عن تحقّق الطلب على وجه الكراهة ، فثبوت الجهة هو مقتضى الخطاب الشرعي ، وليس قولا بما لا يعلم.
قلت : بعد البناء على تخصيص النهي بالأمر وتقديم الأمر والقول بالوجوب يكون الفرد الواجب خارجا عن العنوان المذكور ، ولا دليل على ثبوت الجهة في
__________________
(١) مثل المحقّق القمّي في القوانين ١ : ١٤٢.