فإن قلت : فلا يجري هذا الجواب في العبادات المكروهة التي لا دليل على اشتمالها على مصلحة زائدة على مصلحة الوجوب ، فإنّ فيها لا وجه للوجوب بعد التصادم ، ولا دليل على أنّ هذه الموارد من العبادات المكروهة مشتملة على مصلحة زائدة ، كما هو الظاهر.
قلت : إنّ ثبوت الوجوب بعد ملاحظة الكراهة كاشف عن وجود المصلحة الزائدة ؛ على أنّ المجيب يكفيه احتمال ذلك ، فإنّ الدليل المذكور راجع إلى النقض بالعبادات المكروهة ، ويكفي في دفع النقض إبداء الاحتمال. نعم ، لو دلّ الدليل على كراهة عبادة نعلم بعدم اشتمالها إلاّ على مصلحة كافية في الوجوب فقط من دون زيادة كان ذلك وجها ، وأنّى لك بإثباته!
فإن قلت : إنّ ذلك لا يجري في المستحبّات المكروهة ، لأنّ بعد تصادم الجهتين لا وجه للاستحباب.
قلت : إن قام الدليل على استحبابه بعد ملاحظة اجتماعه مع الكراهة فذلك الدليل يكفي في إثبات مصلحة فائقة على تلك المنقصة على وجه يبقى بعد التصادم مقدار الكفاية ، وإن لم يقم دليل على ذلك فلا مورد للنقض ، كما هو ظاهر.
وبالجملة ، فهذا الجواب مبنيّ على دلالة الدليل على امتناع الاجتماع ، فيجب صرف الظواهر التي مقتضاها الاجتماع عنها إلى ما لا دليل على بطلانها ، فإبداء احتمال لم يقم قاطع على فساده (١) كاف في المقام ، كما هو الظاهر على من مارس قليلا قواعد التوجيه والمناظرة.
هذا غاية توجيه المقام على وجه ربما يتوهّم خلوّه عن النظر ، وليس كذلك ؛ فإنّ فيه :
__________________
(١) في ( ع ) : خلافه.