لا مكروها بمعناه المصطلح. نعم ، يثبت له الكراهة بالمعنى المذكور بالنظر إلى ذاته ، وذلك لا يستدعي ثبوت الكراهة في خصوصيّات الموارد مطلقا ، إذ قد يعرضه ما يوازي بسببه رجحان يوازي تلك المرجوحيّة فيزيد عليها فترتفع الكراهة المذكورة عن ذلك ، غاية الأمر أن يكون أقلّ ثوابا عن العاري عن تلك المنقصة. نعم ، لو قلنا حينئذ ببقاء المرجوحيّة بالمعنى المذكور صحّ ما ذكره من النقض.
ثمّ أجاب عن الإيراد على هذا الوجه من عدم الضابط ولزوم مكروهيّة جلّ العبادات : بأنّه ليس المراد بها مجرّد أقليّة الثواب بالنظر إلى غيرها ، بل المقصود كونها أقلّ ثوابا بالنظر إلى ما اعدّ من الثواب لتلك العبادة في حدّ ذاتها ، فقد يجيء هناك ما يزيد ثوابها من ذلك كما في المسجد ونحوه ، وقد يجيء ما يوجب نقصه كالصلاة في الحمّام (١) ، انتهى.
ومحصّل الكلام في تنقيحه هو : أنّ الكراهة الاصطلاحيّة التي هي عبارة عن طلب ترك الفعل على وجه التنزيه تابعة لجهة نقصان موجودة في نفس الفعل يقتضي هذا النحو من الطلب ، إلاّ أنّه ربما يمنع من ذلك الترتّب مانع ، مثل اشتمال ذلك الفعل على مصلحة تقتضي لطلبه على وجه الحتم والإلزام ، ضرورة أنّ تلك الجهة لا يوازي مصلحة الواجب ورجحانه ، فالكراهة بمعنى الطلب لا يكون موجودا ، وإنّما الموجود هي جهة الكراهة ، ولا إشكال في أنّ تلك الجهة يمكن أن تصير منشأ لنقصان مصلحة الواجب على وجه يكفي في الوجوب بعد النقصان أيضا. وهذا هو المراد من قلّة الثواب ، ولا وجه للقول بأنّ بعد تصادم الجهتين لا نسلّم وجود مصلحة كافية في الوجوب ، لأنّ الإجماع على تحقّق الوجوب كاشف عن ثبوت تلك المصلحة ولو بعد المصادمة.
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٩٣ ـ ٩٤.