وإلى ما ذكرنا ربما يشير بعض الأخبار من المنع عن المسافرة إلى البلاد التي لا يتمكّن المسافر فيها على أداء أحكام الإسلام (١). وعلى ذلك قد استقرّ آراء العقلاء في امور معاشهم ، فيعاقبون على التسبيبات المذكورة معادلا لما يترتّب على نفس المسبّبات المحرّمة.
ولعلّ حمل كلام الرازي على ما ذكرنا أولى ممّا حمل عليه المستدلّ ؛ لما عرفت من فساده جدّا. كما أنّه يحتمل أن يكون ذلك مراد من قال بارتفاع التكليف خطابا ووجوده عقابا (٢) ، فإنّ العقاب على التكليف الذي يمتنع ثبوته قبيح ، فلا بدّ من أن يكون المراد منه هو العقاب على التسبيب المذكور.
ونظير ما ذكرنا في المقام ما ربما يقال في بعض المغالطات : من أنّه لو فرض أنّ وجود زيد يوجب محالا ـ وهو حماريّة عمرو ـ وعدمه أيضا يوجب ذلك المحال ، فلو ردّد الأمر بينهما فبأيّهما ينبغي أن يؤخذ؟ وجوابه : أنّه لا يمكن الفرض المذكور ، فلا نسلّم إمكان استلزام وجود الشيء وعدمه المحال المذكور.
والحاصل : أنّ مرجع النفي في القضيّة ليس إلى الوجود والعدم أو إليهما حتّى يلزم على الأوّل والثاني المحال ، وعلى الثالث ارتفاع النقيضين ، بل مرجعه إلى نفي التوصيف والتفكيك بين الصفة والموصوف ونفي الاتّصاف ، فلا يلزم شيء من المحاذير ، كما لا يخفى على من لاحظ وتدبّر.
وبمثل ما ذكرنا بنى العلاّمة في المختلف في ردّ الشيخ في لباس المصلّي إذا كان نجسا ، فلاحظ وتأمّل (٣).
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٢٤٩ ، الباب الأول من أبواب آداب السفر إلى الحج ، الحديث ٥.
(٢) قاله السيّد الأعرجي في الوافي : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٣) انظر المختلف ١ : ٤٨٧ ـ ٤٨٨.