ثمّ إنّه ليس الكلام في المقام في أصل مجعوليّة الأحكام الوضعيّة وعدمها ، فإنّ ذلك قد أوردنا الكلام فيها على وجه الاستطراد في مباحث الاستصحاب على وجه لا مزيد عليه ، بل الكلام في المقام إنّما هو في خصوص وصفي الصحّة والفساد على تقدير القول باختلاف حكمي التكليف والوضع ، فإنّهم أيضا اختلفوا في كونهما من الأحكام أو لا.
لنا : أنّ الصحّة في العبادات على تفسير المتكلّمين عبارة عن موافقة الأمر ، وهذا المعنى يحصل بعد إيجاد المكلّف الفعل مطابقا لما هو المأمور به ، من غير حاجة إلى جعل هذا الوصف وإنشائه على وجه يحتاج إليه في إنشاء أحكام التكليف. وعلى التفسير الآخر عبارة عن كون المأمور به بوجه يسقط معه القضاء ، وهو حاصل على تقدير الإتيان بما يعتبر في المأمور به على وجه يكون الفعل من مصاديق الصحيح في العرف من دون احتياج إلى تكلّف الجعل والإنشاء ، نظير حصول الزوجيّة بعد حصول الأربعة من غير حاجة إلى تحصيل الزوجيّة بتحصيل مغاير لتحصيل الأربعة.
وأمّا الصحّة في المعاملات فهي عبارة عن كون المعاملة على وجه يترتّب عليها الأثر المقصود منها شرعا ، وهذه الصفة يصحّ انتزاعها بعد إيجاد المكلّف ما هو سبب في الشريعة لذلك الأثر. وكون الآثار ممّا حكم بترتّبها الشارع لا يقضي بأن يكون الصحّة مجعولة للشارع.
وبالجملة ، أنّ المجعول الشرعي في العبادة ليس إلاّ إيجاب الفعل الكذائي ، وفي المعاملة ليس إلاّ تسبّب العمل الكذائي للأثر الكذائي ، وهذا لا يقضي بمجعوليّة الصفة المنتزعة عن الفعل والعمل على تقدير المطابقة لما هو المجعول الشرعي كما هو الحقّ.
وعلى تقدير الاقتضاء فلا فرق بين العبادة والمعاملة ، فالقول بالتفصيل مطلقا ممّا لا وجه له ، وهو ظاهر.