سيئات للمقربين فما بالك بدرجات الأنبياء الذين هم أسمى درجة من المقربين؟ لا سيما لمثل يوسف الذي حظي بنعوت قرآنية ليس بالضرورة حصول العديد من الأنبياء عليها ، وقد وجدنا أن من هو دون درجة الأبرار من تأنف نفسه مقارفة هذا العمل أو التفكير به ، فكيف بمن هو أعلى من هذه الدرجة بكثير؟!
والملاحظ أن المعطيات القرآنية لم تتوقف عند ذلك فحسب ، بل راحت تقدّم الدليل تلو الآخر على براءة يوسف عليهالسلام مما وصم به ، فنفس آية الهمّ امتدحت موقفه ووصفته بالاخلاص ، فهل يمتدح القرآن موقفه لأنه همّ بالزنا؟ ثم عادت الآية التي من بعدها بتؤكد أنها هي من هجم عليه حينما تحدّثت عن قدّ قميصة من دبر ، ثم جاءت شهادة شاهد البيت الذي تحدّث عن النظر إلى الأمور من خلال مقاييسها الطبيعية فالقميص إن كان قد قدّ من قبل فهو من هجم وهي ستكون الصادقة ، وإن كان قد قدّ من دبر فهي من هجم وهو الصادق ، ثم جاءت نتيجة حكم الحاكم بأنها هي المذنبة فطالبها بأن تستغفر ، ثم جاء اعترافها بما قامت به وتصريحها باعتصامه مما راودته ( وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ) ثم تحدّثت الآية عن مدى عزوفة عن المنكر حتى إنه ينتخب طريق الأذى والضرّ بنفسه كي يتخلص من هذا المنكر ، وأعقبتها بموافقة الله على انتخابه لهذا الطريق ، ثم عادت الآيات لتصرّح علناً باعتراف مؤكد اللهجة من قبل النسوة بأنهنّ لم يرين منه سوءاً ، فيما أعلنت امرأة العزيز بصورة لا تبعث على أي شك بأنها هي من كانت وراء العمل متهمة نفسها بالأمر بالسوء ( قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وهذه المعطيات الزاخرة بشهادات الاثبات ببراءته مما نسبوه إليه ، وتلك المعطيات التي شهدت بعلو مقامه وكونه من المحسنين