ذلك الإمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ، فحُملا على بعير وسُيِّرا إلى الخليفة عن أمره بذلك ، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد .
ولما اقتربا من طرسوس جاءهما الصريخ بموت المأمون ، فأعيدا إلى السجن ولبث فيه أحمد ثمانية وعشرين شهراً ، وقيل نيفاً وثلاثين شهراً .
وعقد المعتصم مجلساً واستدعى أحمد من السجن ، وأحضر الفقهاء فناظروه بحضرته ثلاثة أيام فغلبهم ، فحرضوا الخليفة عليه فقال له : لعنك الله ، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ، ثم قال : خذوه واخلعوه واسحبوه .
قال أحمد : فأُخذت وسُحبت ، وخُلعت وجئ بالعُقَابين « خشب يثبت به المضروب » والسياط وأنا أنظر ، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم : شدَّ قطع الله يديك ، ويجئ الآخر فيضربني سوطين . فذهبَ عقلي فلم أُحِسّ بالضرب ، وَأَرْعَبَهُ ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت !
ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت ، وقد أطلقت الأقياد من رجلي ، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين .
وتولى الخلافة ابنه الواثق ، وقد اشتد في عهده القول بخلق القرآن ، وقتل بيده أحمد بن نصر الخزاعي لعدم إقراره بخلق القرآن ، وكان الإمام أحمد في عهده معتقلاً في منزله ، وأرسل إليه الواثق كتاباً يأمره فيه أن لا يجتمع بالناس ، ولا يساكنه بأرض ولا مدينة هو فيها » .