الخشبتين فلم أفهم ، فتخلعت يداي ، وجئ بالضرابين ومعهم السياط ، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له : يعني المعتصم : شد قطع الله يديك ، ويجئ الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك ، فضربوني أسواطاً فأغميَ عليَّ وذهب عقلي مراراً ، فإذا سكن الضرب يعود عليَّ عقلي .
وقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه ، وجعلوا يقولون : ويحك ، الخليفة على رأسك ، فلك إقبل ، وأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه ، فأعادوا الضرب ثم جاء إليَّ الثالثة ، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب !
ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب . وأرعبه ذلك من أمري ، وأمرني فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم العشرين من رمضان ، سنة إحدى وعشرين ومأتين .
وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً . وقيل : ثمانين سوطاً ، ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً . ويقول أشاباض أحد الجلادين : ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطاً ، لو ضربته فيلاً لهدمته » .
٥. تكفي الرواية المتقدمة لسجن أحمد وهي رواية أتباعه ، ليحكم الباحث بأن المعتصم أطلقه لأنه أقرَّ له بأن القرآن مخلوق ، وتكرار أحمد لقوله : ذهب عقلي ، تبريرٌ لإقراره لهم ، فهو يقول : لقد غبت عن الوعي ، ولم أدرِ ماذا قلت لهم !