جواز البيع ثانيا ، وكذا وطء الأمة. إلى غير ذلك ممّا ذكرت وممّا لم تذكر.
وبالجملة ، جميع الأحكام والأدلّة الّتي ذكرت صادر منهم ومدّ نظرهم ، بل هي في غاية القرب إلى نظر من له أدنى ملاحظة وفهم ، فكيف مثلهم؟! ومع ذلك كيف اتّفقوا هذا النحو من الاتّفاق على مخالفة مقتضى أحكامهم الّتي هم حكموا بها ، ومقتضى أدلّتهم الّتي هم أسّسوها وأتقنوها ومهّدوها ، وأجروا أحكامهم الّتي لا تحصى عليها ، حتّى في كتاب البيع وغيره من كتب المعاوضات ، سيّما مع كون وضوح تلك بمرتبة لا ينبغي النزاع حينئذ ولا يبقى له مجال كما ذكرت وأشرت؟! إذ كلّما كان الوضوح والكثرة وخفاء ما يخالف أزيد يصير الاستغراب أشدّ.
فكيف يمكن الاجتراء عليهم وعلى مخالفتهم ، سيّما مع قرب عهدهم بعهد الشارع وبعد عهدنا غاية البعد؟! وخصوصا بعد ملاحظة أنّ كثيرا من أحكامهم الّتي لم يظهر لنا منشؤه بعد بذل الجهد التام والتطلع الزائد اطّلعنا عليه إلى حدّ لم يبق لي وثوق في مقام من المقامات الّتي لم يظهر المنشأ بالحكم بخطئهم.
بل الظاهر عندي عدم اتّفاقهم بمثل هذا الاتّفاق على الخطأ ، ونعم الطريقة طريقة الشارح رحمهالله ، فإنّه أيضا ما يحكم بخطئهم أصلا ، بل ويقول : إنّي ما أفهم ، وليس من الفقهاء أحد موجود حتّى أستفهم وأستعلم الحال ، ولهذا قال هنا : ( الاحتياط حسن .. إلى آخره ) (١) ، فتأمّل ، فإنّي قاصر ، والقصور منّي ، فلا تكتف بما ذكرت ، بل تدبّر.
واستدلاله رحمهالله بقول أهل العرف (٢) ، مثل الاستدلال على كون صيغة
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٩.