حرّمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس » (١) الحديث.
ولا يخفى أنّه ما حرّم كلّ عصيرة ، بل ما خالطه نفس إبليس ، وهو الثلثان على ما صرّح به في الخبرين السابقين ، وكذا في خبرين آخرين رواهما بعده (٢) ، ويؤيّده قوله : « مصّه ولم يأكل » ، وأنّ هذه الحكاية مسوقة لما سيق تلك الحكايات له ، فتأمّل.
وقول الكليني : ( باب أصل تحريم الخمر ) لا شكّ في أنّ المراد منه الخمر الواقعي ، موافقا لما هو المستفاد من الروايتين ، ووافقه على ذلك الصدوق.
قال في آخر « الفقيه » في باب حدّ شرب الخمر : ( قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تمسّه النار فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ) (٣) ، ولم يذكر الصدوق حرمة العصير في « الفقيه » أصلا ، إلّا في هذا الموضع بهذا العنوان.
فظهر أنّهم يعتقدون دخول العصير في حدّ الخمر بمجرّد الغليان ، فلعلّ غيرهم من القدماء أيضا على هذه العقيدة ، وبها حكموا بالنجاسة ، لأنّ الخمر عند غير الصدوق نجس ، وكذا كلّ مسكر ، والظاهر منهم ومن النصّ (٤) أيضا أنّه يدخل في حدّ المسكر أيضا ، وهو أيضا عندهم نجس (٥).
فإن قلت : ليس بمسكر بالوجدان ، ولا يطلق الخمر عليه عرفا ولغة حتّى
__________________
(١) الكافي : ٦ ـ ٣٩٣ الحديث ٢.
(٢) الكافي : ٦ ـ ٣٩٤ الحديثان ٣ و ٤.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٤٠ ذيل الحديث ١٣١ مع تباين يسير جدّا.
(٤) لاحظ! الكافي : ٦ ـ ٤١٩ باب العصير.
(٥) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ ـ ٥٨.