وأمّا الثاني : فلأنّ خرق الإجماع المركّب عبارة عن إحداث قول ثالث منفيّ بالإجماع على أنّه حكم واقعي في المسألة ، ووجه عدم جوازه كونه في معنى تكذيب الإمام الّذي هو في أحد القولين بالفرض على طريقة أصحابنا في الإجماع ، واتّباع الحكم الموجود في المسألة بمقتضى الأصل المأذون فيه شرعا ليس إحداثا للقول الثالث المنفيّ بالإجماع بالمعنى المذكور.
وبما بيّنّاه ظهر أنّ ما عليه بعض أصحابنا في المسألة المشار إليها إذا لم يدلّ على أحد القولين دليل قطعي أو ظنّي من التمسّك بمقتضى العقل من حظر أو إباحة ـ على معنى الرجوع إلى الأصل العقلي المقتضي للحظر أو الإباحة بعد تسليمه والبناء على صحّته ـ ممّا لا بأس به ولا ينبغي الاسترابة فيه ، وأنّ ردّ الشيخ له في العدّة (١) بعد اختياره القول الآخر منها وهو التخيير بأنّه يوجب طرح قول الإمام عليهالسلام ليس بسديد ، لعدم كون اتّباع الأصل المفيد للحكم الظاهري تكذيبا للإمام في قوله الّذي هو حكم واقعي تعذّر الوصول إليه لجهالته ، إلاّ على تقدير حمل الحظر والإباحة في كلام الحاظرين والمبيحين على الواقعيّين منهما كما استظهرناه في محلّه ، وحينئذ إنّما يلزم المحذور إذا كان مؤدّى الأصل المرجوع إليه مخالفا للقولين لا مطلقا ، مع أنّ ما اختاره من التخيير أيضا يوجب ذلك المحذور إن أراد به التخيير الواقعي كما فهمه المحقّق قدسسره ، ولذا اعترضه : « بأنّ في التخيير أيضا إبطالا لقول الإمام ، لأنّ كلاّ من الطائفتين يوجب العمل بقوله ويمنع من العمل بالقول الآخر ، فلو خيّرنا لاستبحنا ما حظّره المعصوم » انتهى (٢).
نعم إنّما يسلم مختاره عن هذا الاعتراض لو أراد به التخيير الظاهري ، ولعلّه خلاف ما يظهر من كلماته ، وليس المقام محلّ التعرّض لها.
وأمّا وجوب الأخذ بالتحريم ليكون الأصل هو الحظر وإن قيل به في المقام إلاّ أنّه أيضا ممّا لا يساعد عليه دليل يعوّل عليه ، وإن كان يمكن أن يستدلّ بل استدلّ عليه بوجوه :
منها : قاعدة الاحتياط ، نظرا إلى كون المسألة من دوران الأمر بين التعيين والتخيير.
ويزيّفه : منع وجوب الاحتياط على ما مرّ مشروحا ، فلا يجب من جهته الأخذ بالتحريم إلاّ أن يراد بها قاعدة الاشتغال ، كما يومئ إليه حديث الدوران بين التعيين والتخيير ، فيزيّفها حينئذ منع جريانها في المقام لمنع كونه من المسألة المشار إليها ، فإنّ
__________________
(١) العدّة ٢ : ٦٣٦ ـ ٦٣٧.
(٢) المعارج : ١٣٣.