عن مقتضى اليقين بسبب الاعتناء بالشكّ.
وأمّا الثاني : فلأنّه ـ بعد الغضّ عمّا تقدّم في مسألة البراءة والاحتياط من وجوه المناقشة في أخبار التوقّف والاحتياط الّتي منها منع دلالتها على الوجوب ـ لا شبهة في الحكم الشرعي المشكوك في بقائه بعد اليقين بثبوته بعد ملاحظة أخبار الاستصحاب الدالّة على وجوب العمل بالاستصحاب فيه ، فإنّه خرج بذلك عن عنوان « الشبهات » فلا يتناوله أخبار التوقّف والاحتياط.
ومع الغضّ عن ذلك أيضا نقول : إنّ أخبار الاستصحاب حاكمة على أخبار التوقّف والاحتياط ، متعرّضة بمضمونها ومدلولها اللفظي لبيان مقدار موضوع هذه الأخبار ، وهو أنّ الشبهة الّتي يجب الوقوف عندها والاحتياط فيها هو الشكّ الّذي لم يسبقه يقين أو الّذي ليس معه يقين سابق ، وذلك أنّ الشكّ من حيث هو ومع قطع النظر عن سبق حالة عليه له أحكام وآثار مجعولة ، وهي البراءة عند الشكّ في الوجوب وغير الحرمة ، ووجوب التوقّف والاحتياط عند الشكّ في الحرمة وغير الوجوب ، والتخيير عند الشكّ في الوجوب والحرمة ، وكلّ ذلك على مذهب الأخباريّين ، فإنّ المذكورات عندهم آثار ثابتة بجعل الشارع للشكّ حيثما تحقّق ولم يلاحظ معه شيء آخر ، وقولهم : « لا ينقض اليقين بالشكّ » معناه ـ على ما ذكرناه مرارا ـ المنع عن رفع اليد عن آثار اليقين بسبب الاعتناء بالشكّ ، ومرجعه إلى المنع من ترتيب آثار الشكّ على الشكّ الملحوظ معه حالة سابقة وهو الّذي سبقه يقين ، فيكون أخبار الاستصحاب مسوقة لنفي آثار الشكّ ـ الّتي هي البناء على البراءة أو التوقّف والاحتياط أو التخيير ـ عنه حيثما كان معه يقين سابق ، وهذا هو معنى قوله عليهالسلام : « ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ، ويتمّ على اليقين ، فيبنى عليه ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات (١) » أي حالات وجود اليقين معه ، وهو المراد أيضا من قوله عليهالسلام : « فليمض على يقينه (٢) » فإنّ الأمر بالمضيّ على اليقين مع الشكّ نفي لآثار الشكّ بالمرّة الّتي منها وجوب التوقّف والاحتياط في الشبهات ، وهذا هو معنى الحكومة.
وبجميع ما قرّرناه ظهر ما في أوّل كلام المحدّث من أنّ هذه الشبهة عجز عن جوابها كثير من فحول الفقهاء والاصوليّين ، فإنّ شمول قاعدة اليقين المستنبطة من عمومات
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٢١ الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٣.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٦.