ودعوى كون رجحان الاحتياط بالفعل إذا اتي به لداعي احتمال المحبوبيّة ممّا يؤثر في ترتّب الثواب عليه حتّى فيما احتمل إباحته بل كراهته أيضا ، ولا ريب أن ترتّب الثواب على الفعل من آيات محبوبيّته ، ولا نعني من الاستحباب الشرعي إلاّ هذا.
يدفعها : إنّ هذا الثواب ـ على تقدير تسليمه ـ لا يترتّب على الفعل المحتاط به ، بل إنّما يترتّب على عنوان الاحتياط بحسب النيّة ، باعتبار ما تضمّنه من نيّة الخير وقصد الحسنة ، وقد ورد في عدّة من الأخبار ـ بل المستفيضة منها ـ أنّ نيّة الحسنة تكتب حسنة (١) هذا مع إمكان منع ترتّب الثواب على تقدير عدم مصادفة الاحتياط للمحبوبيّة الواقعيّة ، لأنّ العقل لا يستقلّ بإدراكه.
لا يقال : إنّ غاية ما لزم ممّا ذكرت هو أنّ الاحتياط لا يؤثّر في الاستحباب الشرعي على أن يكون حكم الواقعة من حيث هي ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، بل الكلام في حكمها بملاحظة الجهل بحكمها الواقعي مع احتمالها المحبوبيّة ، فلم لا يجوز تأثير الاحتياط في كون حكمها بهذا الاعتبار هو الاستحباب ، ومرجعه إلى أنّ الحكم المجعول للجاهل بحكم الواقعة من حيث إنّه جاهل المحتمل لكونه محبوبا لله تعالى هو الاستحباب.
لأنّا نقول أوّلا : إنّ التزام الاستحباب على هذا الوجه لا يحتاج إلى توسيط الاحتياط ، لا على أن يكون علّة مؤثّرة ولا على أن يكون علّة كاشفة.
وثانيا : إنّ الاحتياط قاصر عن إفادة هذا المعنى أيضا حتّى على وجه الكشف ، فكون الحكم المجعول للجاهل بحكم الواقعة المحتمل للمحبوبيّة هو الاستحباب يحتاج إلى دليل ، والاحتياط لا يصلح لذلك كما عرفت.
لا يقال : لو لا حدوث الاستحباب بطروّ الاحتياط لم يصحّ الفعل المحتاط به إذا كان من قبيل العبادات ، لاشتراط صحّة العبادة بنيّة التقرّب وقصد الامتثال ، وهو فرع الأمر الغير المحرز في المقام مطلقا.
أمّا الأمر الواقعي فلفرض عدم العلم به ، وأمّا الأمر الظاهري فلفرض عدم حدوثه بمجرّد الاحتياط ، ولعلّ الالتزام بعدم الصحّة خلاف ما استقرّت به سيرة العلماء الصالحين فتوى وعملا في جميع الأعصار والأمصار على إعادة العبادات وتكرارها لمجرّد الخروج
__________________
(١) الوسائل : ١ : ٣٥ ـ ٤١ الباب ٦ من أبواب مقدّمة العبادات.