المجعول للواقعة من حيث هي وإن لم يتوجّه إلى المكلّف بالفعل ولم يشتغل ذمّته به فعلا لمانع.
نعم لو ثبت بالدليل أنّ الّذي ألغاه الشارع من آثار التكليف المعلوم المردّد بين نوعي الوجوب والتحريم إنّما هو وجوب الموافقة القطيّة لتعذّرها لا حرمة المخالفة القطعيّة في العمل اتّجه الفرق المذكور ، لكن مرجعه إلى منع جريان أصل البراءة بالتزام اشتغال الذمّة في محلّ البحث بالتكليف المردّد وهذا قبل إبطال احتمال الالغاء بالمعنى المذكور أوّل المسألة.
وكيف كان فلا يبعد القول بالطرح والإلغاء بالتزام جريان أصل البراءة النافي لاشتغال الذمّة بالتكليف المردّد ، ونتيجته جواز الفعل والترك وعدم الحرج فيهما ، على معنى كونه الحكم المجعول للواقعة الملحوظة بوصف الجهالة ، إلاّ إذا كان هناك مانع آخر من الفعل كما لو كان عبادة وقلنا بحرمته من حيث التشريع فيختصّ المنع حينئذ بصورة الإتيان به بداعي المشروعيّة لا مطلقا ، وذلك لعموم أدلّة الأصل المذكور كتابا وسنّة ، فإنّ قوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )(١) ـ بعد تسليم نهوض دلالته على أصل البراءة ، بناء على كون بعث الرسول كناية عن تبليغ الأحكام الواقعيّة ـ ظاهر في البلوغ الكافي في إزاحة العلّة ، ولا ريب في عدم بلوغ كلّ من الوجوب والتحريم في تلك الواقعة إذا اخذ بانفراده ، وبلوغ الأمر المردّد غير كاف في إزاحة العلّة ، وإنّ كلاّ منهما ممّا حجب الله علمه عن العباد بالخصوص فيكون موضوعا عنهم ، وإنّ كلاّ منهما بالخصوص ممّا لا يعلمه الامّة فيكون مرفوعا عنهم ، ومعنى الرفع والوضع على ما تقدّم رفع جميع آثارهما أو خصوص المؤاخذة ، والأمر المردّد غير خال عن أحدهما ، فتكون المؤاخذة مرفوعة عنه أيضا. والورود في قوله عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي (٢) » أو أمر على رواية الشيخ ظاهر في بلوغ أحدهما على وجه يعلمه المكلّف بعينه ، فصدق فيما نحن فيه أنّه لم يرد فيه نهي ولا أمر.
هذا كلّه مضافا إلى حكم العقل المستقلّ بقبح المؤاخذة والعقاب على مخالفة ما لا سبيل للمكلّف إلى معرفته من الحكم الواقعي المعيّن عند الله ، وعلى مخالفة ما لا سبيل له إلى امتثاله وموافقته من الأمر المردّد بين الوجوب والتحريم.
وممّا يكشف عن صحّة حكم العقل هنا بناء العقلاء في نظائر المسألة ، كما في العبد المطيع إذا بلغه من سيّده تارة وجوب قتل زيد واخرى تحريمه ، فإنّه لا يذمّ بعدم التزامه
__________________
(١) الاسراء : ١٥.
(٢) الفقيه ١ : ٣١٧ ، ح ٩٣٧.