.................................................................................................
______________________________________________________
أن حقيقة الإنشاء في قبال الأخبار ليست إلّا إبراز أمر نفساني ، غير قصد الحكاية عن وقوع شيء في الخارج أو عدمه.
فإنّ هذا الاعتبار إذا صدر ممن له الأهلية ، كان موضوعاً لترتب الآثار عليه.
ومن هنا فيصح الإنشاء بكل ما يكون مبرزاً ومظهراً لذلك الاعتبار عرفاً ، سواء في ذلك عقد المزارعة وغيره. فيصح الإنشاء بصيغة الماضي والمضارع والأمر بالعربية وغيرها ، ولذا يصحّ إنشاء الملكيّة في الهبة بصيغة الأمر ، حيث يكتفى فيها بقول الواهب للموهوب له : (خذ هذا) ونحوه.
والحاصل أنّ العبرة إنما هي بدلالة اللفظ على الأمر الاعتباري الكامن في النفس فإنّه لو تمّت دلالته صدق العقد عليه ، وشملته أدلة إمضاء ذلك العقد من قبل الشارع.
هذا مضافاً إلى كفاية إطلاقات أدلّة صحة المزارعة في المقام ، فإنها وبمقتضى عدم تحديدها بلفظ خاص ، شاملة لكل ما يصدق عليه عنوان المزارعة ، أعني اتفاق مالك الأرض والعامل على أن يعمل الثاني في أرض الأوّل بشرط أن يكون الربح بينهما سواء أكان ذلك بالجملة الفعلية أو الماضوية أو العربية أم لم يكن.
كما ورد ذلك في المساقاة ، حيث دلّت صحيحة يعقوب بن شعيب على جواز إنشائها بصيغة الأمر. فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن رجل يعطي الرجل أرضه وفيها ماء أو نخل أو فاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج الله عز وجل منه؟ قال : «لا بأس» (١).
والذي يتحصل مما تقدّم أنه ما لم يدلّ دليل خاص على اعتبار لفظ معين في وقوع معاملة ، فمقتضى مطلقات المزارعة في خصوص المقام وقوع المعاملة بكل لفظ يكون كاشفاً عن ذلك الاعتبار النفساني ، ولو كان ذلك الكاشف جملة اسمية ، فضلاً عن كونها فعلية بصيغة المضارع أو الأمر.
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٩ ح ٢.