.................................................................................................
______________________________________________________
الدالّة صريحاً على جواز الرجوع قبل الإبراء. وعندئذٍ يكون التقدّم معهما ، لرجحانهما عليهما بموافقتهما للكتاب العزيز ، حيث إنّ مقتضى عمومات الوفاء بالعقود الحكم باللّزوم وعدم جواز رجوع المحتال على المحيل ثانياً.
على أننا لو غضضنا عن صحيحتي أبي أيوب ومنصور بن حازم ، لم يكن مجال للعمل بمعتبرة زرارة في حدّ نفسها والقول باعتبار الإبراء في تحقق براءة ذمّة المحيل فإنّ هذه المعتبرة متضمنة لما لا يمكن الالتزام به ، ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله.
وذلك فلأن الحوالة : إمّا أن تكون في نفسها وقبل الإبراء من المحتال صحيحة وموجبة لنقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، وإمّا أن تكون فاسدة غير مؤثرة في النقل والانتقال.
فعلى الأوّل ، فاعتبار الإبراء من تحصيل الحاصل ، لتحقق البراءة بحسب الفرض قبله ، فإنّ الدَّين إذا انتقل عن ذمّة المحيل برئت ذمّته لا محالة وإلّا لما كان الدَّين منتقلاً.
وعلى الثاني ، فالإبراء وإن كان موجباً لبراءة ذمّة المحيل حينئذ كما هو واضح لعدم تحققها قبله ، إلّا أن معه لا وجه لرجوع المحتال على المحال عليه ، نظراً لعدم انتقال المال إلى ذمّته وعدم اشتغالها به له.
فالجمع بين الحكمين جواز رجوع المحتال عليه بموجب الحوالة واعتبار إبرائه في براءة ذمّة المحيل جمع بين المتنافيين ولا يمكن المساعدة عليه.
وبعبارة اخرى : إنّ الإبراء الذي هو بمعنى إسقاط المحتال للدَّين الثابت في ذمّة المحيل إمّا أن يكون بعوض وبإزاء اشتغال ذمّة المحال عليه به ، وإما أن يكون مجاناً.
فعلى الأوّل ، فهو عين القبول وليس شيئاً في قباله ، فإنّ قبول المحتال للحوالة إنما يعني موافقته على ما أنشأه المحيل من براءة ذمّته واشتغال ذمّة المحال عليه. ومما يساعد على إرادة هذا المعنى من الإبراء ، أنه لم تذكر في الرواية قبولاً للمحتال بغير هذا العنوان الإبراء.
وعلى الثاني ، فإن كانت الحوالة هذه محكومة بالصحّة وانتقال ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فلا موضوع للإبراء المجاني ، لعدم اشتغال ذمّة المحيل حينئذٍ بشيء.