وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحة. وهو مشكل ، إذ مورد الحمل على الصحّة (١) ما إذا علم أنهما أوقعا معاملة معينة واختلفا في صحّتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح وعلى الأُخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أنهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلاً. وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف. وأصالة الصحّة لا تثبت كونه بيعاً مثلاً لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة مثلاً لا مضاربة فاسدة.
______________________________________________________
وعلى هذا فالعامل هو المدّعى ، والمالك هو المنكر.
وأوضح من هذا ما لو ادّعى أحدهما البضاعة والآخر المضاربة الفاسدة ، بناءً على ما اختاره (قدس سره) من ثبوت اجرة المثل للعامل في كلا الفرضين ، مع كون الربح بتمامه للمالك. فإنه لا وجه لجعله من موارد التداعي ، إذ لا نزاع بينهما بالمرة ، لاتفاقهما على ثبوت الربح للمالك واستحقاق العامل اجرة المثل على التقديرين ، فليس هناك نزاع بينهما إلّا في الصورة ، وإلّا فليس في الواقع مدّعٍ ومنكر.
نعم ، بناءً على ما اخترناه من عدم استحقاق العامل الأُجرة في البضاعة ، فلو ادّعى العامل المضاربة الفاسدة والمالك البضاعة ، كان العامل هو المدّعى والمالك منكراً ، لأنه لا يلزمه بشيء ، ولا تصل النوبة إلى التداعي.
(١) على ما تقدّم بيانه منّا غير مرّة ، فإنّ أصالة الصحّة تجري في موردين :
الأوّل : حمل فعل المؤمن على الصحّة وأنه لا يرتكب فعلاً على خلاف وظيفته والأصل في هذا المورد ثابت بدليل لفظي ، وأنه لا ينبغي أن يُتَّهم بل ينبغي حمل فعله على أحسنه.
ومن هنا فلا يختلف الحال فيه بين إحراز عنوان العمل وعدمه. فلا فرق في وجوب الحمل على الصحّة بهذا المعنى ، بين أن يرى مفطراً في شهر رمضان مع احتمال كونه مسافراً أو مريضاً ، فيحمل عمله على الصحّة ولا يتهم بالإفطار في شهر رمضان عمداً ، وبين ما لو صدر منه كلام مردد بين الشتم والسلام ، فيحمل على الصحيح ولا يظن به السوء.