وما قيل من اعتبار البعديّة العرفيّة ـ مع ما فيه من منع مستنده ـ غير مجد في توجيه ما يظهر من كلماتهم من انتهاء وقتها بانتهاء وقت الفريضة ؛ فإنّ مقتضاه أنّه لو صلّى الفريضة في آخر وقتها ثمّ اشتغل بعده بالتعقيبات وغيرها من النوافل ، لا يخرج وقت الركعتين ما لم يخرج عن مسمّى البعديّة العرفيّة.
وهذا مع مخالفته لظواهر كلماتهم لا يخلو عن بعد ؛ فإنّ المنساق من أخبارها ـ كما في بعضها (١) التنبيه عليه ـ إنّما هو إرادة إيقاعها قبل المبيت كي ينام الرجل عن وتر.
وفي رواية أبي بصير ـ المتقدّمة (٢) في محلّها ـ الإشارة إلى أنّ حكمة تشريع الوتيرة قيامها مقام الوتر إن حدث بالإنسان حدث الموت ، وإن لم يحدث به حدث الموت صلّى الوتر في آخر الليل ، ولذا لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي هاتين الركعتين ؛ لعلمه صلىاللهعليهوآله بأنّه لا يموت في هذه الليلة ؛ لمكان الوحي ، فلم يكن يخاف من فوت الوتر في وقتها حتّى يأتي بالوتيرة بدلا عنها ، فيظهر من ذلك أنّ وقتها إنّما هو في زمان يخاف فيه من فوت الوتر في وقتها ، وهذا لا يكون إلّا قبل حضور وقت الوتر بمقدار معتدّ به.
فالذي ينبغي أن يقال هو : أنّ المتبادر من أخبارها إرادة إيقاعها في النصف الأوّل من الليل فيما بين العشاء والمبيت الذي لا يتجاوز وقته المتعارف بين الناس بحسب الغالب عن نصف الليل ، كما يؤيّده الوجه المذكور في الرواية
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٢٨ / ٦٠٤ ، علل الشرائع : ٣٣٠ (الباب ٢٦) ح ٣ و ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٤١ / ١٤١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ، الأحاديث ١ و ٢ و ٤ و ٥.
(٢) في ص ١٩.