دلالته مقطوعاً بها ، أو أن يعترف المعرّض بأنّه لم يقصد إلاّ القذف ، وإلاّ فالحدود تدرأ بالشبهات. ألا ترى سقوط الحكم عمّن عرّض بسبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يصرّح كما في الصحاح.
وإلى نفي الحدّ بالتعريض ذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وزفر ومحمد ابن شبرمة والثوري والحسن بن صالح وبين يديهم الحديث المذكور ، وما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : كان عمر يضرب الحدّ في التعريض (١).
قال أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن (٢) (٣ / ٣٣٠) : ثمّ لمّا ثبت أنّ المراد بقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) ، هو الرمي بالزنا لم يجز له إيجاب الحدّ على غيره ، إذ لا سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس ، وإنّما طريقها الاتّفاق أو التوقيف وذلك معدوم في التعريض ، ومشاورة عمر الصحابة في حكم التعريض دلالة على أنّه لم يكن عندهم فيه توقيف وأنّه قال اجتهاداً ورأياً ، وأيضاً فإنّ التعريض بمنزلة الكناية المحتملة للمعاني وغير جائز إيجاب الحدّ بالاحتمال لوجهين : أحدهما : أنّ الأصل أنّ القائل بريء الظهر من الجلد فلا نجلده بالشكّ والمحتمل مشكوك فيه ، ألا ترى أنّ يزيد ابن ركانة لمّا طلّق امرأته البتّة استحلفه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما أردت إلاّ واحدة فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال ، ولذلك قال الفقهاء في كنايات الطلاق : إنّها لا تجعل طلاقاً إلاّ بدلالة.
والوجه الآخر ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «ادرءوا الحدود بالشبهات». وأقلّ أحوال التعريض حين كان محتملاً للقذف وغيره أن يكون شبهة في سقوطه.
وأيضاً قد فرّق الله تعالى بين التعريض بالنكاح في العدّة وبين التصريح فقال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ
__________________
(١) السنن الكبرى : ٨ / ٢٥٢. (المؤلف)
(٢) أحكام القرآن : ٣ / ٢٦٨.