فزع مرعوب مذعور. فقال : أيّها الناس ما بالكم؟ فقال له رسول الملك : إنّ هذا الغلام يزعم أنّ هذه الدار داره ، فغضب الشيخ والتفت إلى تمليخا وتبيّنه وقال له : ما اسمك؟ قال : تمليخا بن فلسين. فقال له الشيخ : أعد عليّ ، فأعاد عليه. فانكبّ الشيخ على يديه ورجليه يقبّلهما وقال : هذا جدّي وربّ الكعبة وهو أحد الفتية الذين هربوا من دقيانوس الملك الجبّار إلى جبّار السموات والأرض ، ولقد كان عيسى عليهالسلام أخبرنا بقصّتهم وأنّهم سيُحيون. فأنهي ذلك إلى الملك وأتى إليهم وحضرهم ، فلمّا رأى الملك تمليخا نزل عن فرسه وحمل تمليخا على عاتقه ، فجعل الناس يقبّلون يديه ورجليه ويقولون له : يا تمليخا ما فعل بأصحابك؟ فأخبرهم أنّهم في الكهف. وكانت المدينة قد وليها رجلان ملك مسلم وملك نصراني ، فركبا في أصحابهما وأخذا تمليخا ، فلمّا صاروا قريباً من الكهف قال لهم تمليخا : يا قوم إنّي أخاف أنّ إخوتي يحسّون بوقع حوافر الخيل والدواب وصلصلة اللجم والسلاح فيظنّون أنّ دقيانوس قد غشيهم فيموتون جميعاً ، فقفوا قليلاً حتى أدخل إليهم فأُخبرهم. فوقف الناس ودخل عليهم تمليخا فوثب إليه الفتية واعتنقوه وقالوا : الحمد لله الذي نجّاك من دقيانوس. فقال : دعوني منكم ومن دقيانوس كم لبثتم؟ قالوا : لبثنا يوماً أو بعض يوم. قال : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين ، وقد مات دقيانوس وانقرض قرن بعد قرن وآمن أهل المدينة بالله العظيم وقد جاءوكم. فقالوا له : يا تمليخا تريد أن تصيّرنا فتنةً للعالمين؟ قال : فما ذا تريدون؟ قالوا : ارفع يدك ونرفع أيدينا ، فرفعوا أيديهم وقالوا : اللهمّ بحقّ ما أريتنا من العجائب في أنفسنا إلاّ قبضت أرواحنا ولم يطّلع علينا أحد. فأمر الله ملك الموت فقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف ، وأقبل الملكان يطوفان حول الكهف سبعة أيام فلا يجدان له باباً ولا منفذاً ولا مسلكاً ، فأيقنا حينئذٍ بلطيف صنع الله الكريم ، وأنّ أحوالهم كانت عبرة أراهم الله إيّاها. فقال المسلم : على ديني ماتوا وأنا أبني على باب الكهف مسجداً. وقال النصراني : بل ماتوا على ديني فأنا أبني على باب الكهف ديراً. فاقتتل الملكان فغلب المسلم النصراني فبنى على باب الكهف مسجداً ،