فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنّها في العشر الأواخر ، فقلت لعمر : إنّي لأعلم وإنّي لأظنّ أيّ ليلة هي ، قال : وأيّ ليلة هي؟ قلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر. قال : ومن أين تعلم؟ قال : قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيّام ، وإنّ الدهر يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء ، والطواف سبع ، والجبال سبع ، فقال عمر رضى الله عنه : لقد فطنت لأمر ما فطنّا له.
عن ابن عبّاس قال : كنت عند عمر وعنده أصحابه فسألهم فقال : أرأيتم قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ليلة القدر : «التمسوها في العشر الأواخر وتراً» ، أيّ ليلة ترونها؟ فقال بعضهم : ليلة إحدى. وقال بعضهم : ليلة ثلاث. وقال بعضهم : ليلة خمس. وقال بعضهم : ليلة سبع. فقالوا وأنا ساكت ، فقال : ما لك لا تتكلّم؟ فقلت : إنّك أمرتني أن لا أتكلّم حتى يتكلّموا. فقال : ما أرسلت إليك إلاّ لتتكلّم. فقلت : إنّي سمعت الله يذكر السبع فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ ، وخلق الإنسان من سبع ، ونبت الأرض سبع ، فقال عمر رضى الله عنه : هذا أخبرتني ما أعلم أرأيت ما لم أعلم قولك : نبت الأرض سبع. قال : قال الله عزّ وجلّ : (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً) (١) قال : فالحدائق الغلب الحيطان من النخل والشجر ، وفاكهة وأبّا ، قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأكله الدوابّ والأنعام (٢) ولا يأكله الناس. قال : فقال عمر رضى الله عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه؟ والله إنّي لأرى القول كما قلت (٣).
نعم ؛ لقد عجز الخليفة أيضاً عن عرفان ما قاله الغلام الذي لم تجتمع شئون
__________________
(١) عبس : ٢٦ ـ ٣٠.
(٢) بيّنه المولى سبحانه في الكتاب العزيز بقوله في ذيل الآية : (مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (المؤلف)
(٣) مسند عمر : ص ٨٧ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٤٣٨ [١ / ٦٠٤ ح ١٥٩٧] ، وصحّحه ، سنن البيهقي : ٤ / ٣١٣ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٥٣٣ ، الدرّ المنثور : ٦ / ٣٧٤ [٨ / ٥٧٦] ، فتح الباري : ٤ / ٢١١ [٤ / ٢٦٢]. (المؤلف)