الناس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي (١). ويكذّبه وقوفه على قبر شيخ واعتناقه إيّاه وبكائه عليه (٢). وكم وكم له من مواقف لدة ما ذُكر.
وقبل هذه كلّها بكاء النبيّ الأقدس والصحابة والتابعين لهم بإحسان على موتاهم ؛ فهذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي على ولده العزيز ـ إبراهيم ـ ويقول : «العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلاّ ما يُرضي ربّنا ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (٣).
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي على ابنه طاهر ويقول : «إنّ العين تذرف ، وإنّ الدمع يغلب ، وإنّ القلب يحزن ، ولا نعصي الله عزّ وجلّ» (٤).
وهذا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا أُصيب حمزة رضى الله عنه وجاءت صفيّة بنت عبد المطّلب رضى الله عنه تطلبه فحالت بينها وبينه الانصار ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعوها» ، فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإذا نشجتْ نشج ، وكانت فاطمة عليهاالسلام تبكي ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّما بكت يبكي وقال : «لن أصاب بمثلك أبداً» (٥).
ولمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أحد بكت نساء الأنصار على شهدائهم ، فبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «لكن حمزة لا بواكي له» ، فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم : لا تبكين أحداً حتى تبدأن بحمزة. قال : فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميّتاً إلاّ بدأن بحمزة (٦).
__________________
(١) الاستيعاب في ترجمة النعمان : ١ / ٢٩٧ [القسم الرابع / ١٥٠٦ رقم ٢٦٢٦]. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في الجزء الخامس : ص ١٥٥. (المؤلف)
(٣) سنن أبي داود : ٣ / ٥٨ [٣ / ١٩٣ ح ٣١٢٦] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٨٢ [١ / ٥٠٦ ح ١٥٨٩]. (المؤلف)
(٤) مجمع الزوائد : ٣ / ١٨. (المؤلف)
(٥) إمتاع المقريزي : ص ١٥٤. (المؤلف)
(٦) مجمع الزوائد : ٦ / ١٢٠. (المؤلف)