أبا هريرة بكذا؟ قال : «نعم» ، قال : فلا تفعل فإنّي أخشى أن يتّكل الناس عليها فيتركوا العمل خلّهم يعملون ، فقال رسول الله : «فخلّهم» (١).
قال الأميني : إنّ التبشير والإنذار من وظائف النبوّة كتاباً وسنّة واعتباراً وأرسل الله النبيّين مبشّرين ومنذرين ، وإن كان في التبشير تثبيط عن العمل لكان من واجب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا يبشّر بشيء قطّ وقد بشّر في الكتاب الكريم بمثل قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٢) وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٣) ووردت بشارات جمّة في السنّة النبويّة في الترغيب في الشهادة بالله وذكر لا إله إلاّ الله (٤). وأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم عبد الله بن عمر أن ينادي في الناس : إنّ من شهد أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة (٥). وأيّ تثبيط هناك ولازم التوحيد الصحيح العمل بكلّ ما شرّعه الإله الواحد؟ ولا سيّما هتاف الرسالة في كلّ حين يُسمع المستخفّين بالوعيد المزعج والعذاب الشديد مشفوعاً بعِداته الكريمة لمن يعمل الصالحات ، والجنّة يشتاق إليه الموحّدون. أخرج أحمد : عن ابن مطرف ، قال : حدّثني الثقة أنّ رجلاً أسود كان يسأل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التسبيح والتهليل ، فقال عمر بن الخطّاب : مه أكثرت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال : مه يا عمر. وأُنزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ). حتى إذا أتى على ذكر الجنّة زفر الأسود زفرةً خرجت نفسه ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مات شوقاً إلى الجنّة» (٦).
__________________
(١) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ٣٨ [ص ٤١ ـ ٤٢] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١٠٨ ، ١١٦ [١٢ / ٥٥ ـ ٥٦ ، ٨٣ الخطبة ٢٢٣] ، فتح الباري : ١ / ١٨٤ [١ / ٢٢٨]. (المؤلف)
(٢) الأحزاب : ٤٧.
(٣) يونس : ٢.
(٤) راجع الترغيب والترهيب للحافظ المنذري : ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٥ [٢ / ٤١٢ ـ ٤١٨ ح ١ ـ ٢٢]. (المؤلف)
(٥) تهذيب التهذيب : ١ / ٤٢٤ [١ / ٣٧١]. (المؤلف)
(٦) الدرّ المنثور : ٦ / ٢٩٧ [٨ / ٣٦٦]. (المؤلف)