ثمّ إن كان نسخ بالإجماع فكيف ذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث إلى أنّ الجمع بين الثلاث طلاق بدعة؟ وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ليس بحرام لكن الأولى التفريق؟ وقال السندي : ظاهر الحديث التحريم (١)؟
وكيف أجمعت الأُمّة على النقيضين في يوميها وهي لن تجتمع على الخطأ؟ هذا إجماع العيني المزعوم يوم بدو رأي الخليفة في الطلاق ، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال : وقد أجمع الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على أنّ الثلاث بلفظ واحد واحدة ، ولم ينقض هذا الإجماع بخلافه ، بل لا يزال في الأُمّة من يفتي به قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا. انتهى. تيسير الوصول (٢) (٣ / ١٦٢).
هب أنّ الأُمّة جمعاء قديماً وحديثاً أجمعت على خلاف ما نطق به محكم القرآن ونقضت ما هتف به المشرّع الأقدس ، فهل لنا مسوّغ لرفع اليد عنهما والأخذ بقول أُمّة غير معصومة؟ والنسخ بالخبر المشهور بعد الغضّ عمّا فيه من الخلاف الثائر إنّما هو لعصمة قائله فلا يقاس به قول من لا عصمة له.
واحتمال استناد إجماع الصحابة إلى نصّ لم ينقل إلينا خرافة تكذّبه نصوص الخليفة وغيره من الصحابة ، على أنّ ما ذهب إليه الخليفة لم يكن إلاّ مجرّد رأي وسياسة محضة.
وما أحسن كلمة الشيخ صالح بن محمد العمري الفلاني المتوفّى (١٢٩٨) في كتابه إيقاظ همم أُولي الأبصار في (ص ٩) حيث قال : إنّ المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعند سائر العلماء المسلمين أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ كتاب الله تعالى أو سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجب نقضه ومنع نفوذه ، ولا يعارض نصّ الكتاب والسنّة بالاحتمالات العقليّة والخيالات النفسانيّة والعصبية
__________________
(١) راجع حاشية الإمام السندي على سنن النسائي ٦ / ١٤٣. (المؤلف)
(٢) تيسير الوصول : ٣ / ١٨٧.