وروى ابن إسحاق في لفظ ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : طلّق ركانة زوجه ثلاثاً في مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً شديداً ، فسأله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كيف طلّقتها؟» قال : طلّقتها ثلاثاً في مجلس واحد. قال : «إنّما تلك طلقة واحدة فارتجعها». بداية المجتهد (٢ / ٦١).
ولبعض أعلام القوم في المسألة كلمات تشدّق بها ، وأعجب ما رأيت فيها كلمة العيني ؛ قال في عمدة القاري (١) (٩ / ٥٣٧):
إنّ الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ ، فإن قلت : ما وجه هذا النسخ وعمر رضى الله عنه لا ينسخ؟ وكيف يكون النسخ بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قلت : لمّا خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار إجماعاً ، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشايخنا بطريق أنّ الإجماع موجب علم اليقين كالنصّ فيجوز أن يثبت النسخ به ، والإجماع في كونه حجّة أقوى من الخبر المشهور ، فإذا كان النسخ جائزاً بالخبر المشهور في الزيادة على النص فجوازه بالإجماع أولى ، فإن قلت : هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقّهم. قلت : يحتمل أن يكون ظهر لهم نصّ أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك. انتهى.
لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلى أن جاد الدهر بالعينيّ فجاء يدّعي ما لم يقل به أحد ، ويخبط خبط عشواء ، ويلعب بكتاب الله ، ولا يرى له ولا لسنّة الله قيمة ولا كرامة.
أنّى للرجل إثبات حكمه الباتّ بإجماع الصحابة على ما أحدثه الخليفة لمّا خاطبهم بذلك؟ وكيف يسوغ عزو رفض محكم الكتاب والسنّة إليهم برأي رآه النبيّ الأقدس لعباً بالكتاب العزيز كما مرّ عن صحيح النسائي قبيل هذا ، وقد كانوا على حكمهما غير أنّه لا رأي لمن لا يطاع. هذا ودرّة الخليفة تهتزّ على رءوسهم!
__________________
(١) عمدة القاري : ٢٠ / ٢٣٣.