وعليه نصوص الكتاب والسنّة ، فعمومات الكتاب لم تُخصَّص ، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب ولا العروبة من شروط الإسلام ، وهذه العصبيّة إلى أمثالها في موارد لا تحصى هي التي تفكّك عرى الاجتماع ، وتشتّت شمل المسلمين ، وإنّما المسلمون كأسنان المشط لا تفاضل بينهم إلاّ بالتقوى ، والله سبحانه يقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (١). ويقول : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢). ويقول : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) (٣).
وهذا هتاف النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم من خطبة له يوم الحجّ الأكبر في ذلك المحتشَد الرحيب بقوله :
«أيّها الناس إنّما المؤمنون إخوة ، ولا يحلّ لامرئً مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه ، ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد. فلا ترجعُنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلّوا بعده : كتاب الله (٤) ، ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد.
أيّها الناس إنّ ربّكم واحد ، وإنّ أباكم واحد ، كلّكم لآدم ، وآدم من تراب ، أكرمكم عند الله أتقاكم ، وليس لعربيّ على عجميّ فضل إلاّ بالتقوى ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد ، قالوا : نعم. قال : فليبلّغ الشاهد الغائب» (٥).
وفي لفظ أحمد (٦) : «ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ ، ولا لعجميّ على عربيّ ،
__________________
(١) الحجرات : ١٠.
(٢) الحجرات : ١٣.
(٣) فصّلت : ٤٤.
(٤) في تاريخ اليعقوبي والعقد الفريد بعد هذه العبارة : وأهل بيتي.
(٥) البيان والتبيين : ٢ / ٢٥ [٢ / ٢٣] ، العقد الفريد : ٢ / ٨٥ [٣ / ٢٣٨] ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٩١ [٢ / ١١١]. (المؤلف)
(٦) مسند أحمد : ٦ / ٥٧٠ ح ٢٢٩٧٨.