أبو بكر عائشة وبقيّة أزواجه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا جئن إليه يطلبن ثُمنهنّ (١) ، وإن كان الخليفة عدل عن ذلك الرأي لما انكشف له من عدم صحّة الرواية فإنّ ورثة ابنة رسول الله كانوا أولى بالإذن فإنّها هي المالكة إذن ، وأمّا عائشة فلها التسع من الثمن فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم توفّي عن تسع ، فكان الذي يلحق عائشة من الحجرة الشريفة التسع من الثمن ، وما عسى أن يكون من ذلك لها إلاّ شبراً أو دون شبرين وذلك لا يسع دفن جثمان الخليفة ، وهب أنّه كان يضمّ إلى ذلك نصيب ابنته حفصة فإنّ الجميع يقصر عن ذلك المضطجع ، فالتصرّف في تلك الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملكها من العترة النبويّة الطاهرة وأُمّهات المؤمنين لا يلائم ميزان الشرع المقدّس.
ربّما يقرأ القارئ في المقام ما جاء به ابن بطّال من قوله : إنّما استأذنها عمر لأنّ الموضع كان بيتها وكان لها فيه حقّ (٢). فيحسب هناك حقّا لأُمِّ المؤمنين يستدعي ذلك الاستئذان ويصحّحه ، وإن هو إلاّ حقّ السكنى ومجرّد إضافة البيت إلى عائشة وهما لا يوجبان الملك ، قال ابن حجر في فتح الباري (٣) (٧ / ٥٣) : استدلّ به وباستئذان عمر لها على ذلك على أنّها كانت تملك البيت وفيه نظر ، بل الواقع أنّها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا يورث عنها ، وحكم أزواج النبيّ كالمعتدّات لأنّهنّ لا يتزوّجن بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم. انتهى.
وقال (٤) في (٦ / ١٦٠) : ويؤيّده ـ يعني عدم الملك ـ أنّ ورثتهنّ لم يرثن عنهنّ منازلهنّ ، ولو كانت البيوت ملكاً لهنّ لانتقلت إلى ورثتهنّ وفي ترك ورثتهنّ حقوقهم دلالة على ذلك ، ولهذا زيدت بيوتهنّ في المسجد النبويّ بعد موتهنّ لعموم نفعه
__________________
(١) السيرة الحلبية : ٣ / ٣٩٠ [٣ / ٣٦١]. (المؤلف)
(٢) فتح الباري : ٣ / ٢٠٠ [٧ / ٦٦]. (المؤلف)
(٣) فتح الباري : ٧ / ٦٦.
(٤) فتح الباري : ٦ / ٢١١.