ويساعد هذا ما في الكتب من أنّ عمر كان أعلم وأفقه من عثمان ، ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن (١).
وأيّا ما كان فإنّ مدّة التعلّم هذه لا يمكن أن تكون على العهد النبوي ، فإنّ سورة البقرة نزلت بالمدينة عند جميع المفسّرين غير آيات نزلت في حجّة الوداع ، وقالت عائشة : ما نزلت سورة البقرة والنساء إلاّ وأنا عنده صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ، وتوفِّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ربيع الأوّل ـ على ما ذهب إليه القوم ـ من السنة الحادية عشرة من مهاجرته ، ومع ذلك لم يؤثر تعلّمه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا بدّ أن يكون تعلّمه عند أحد الصحابة أو عند لفيفٍ منهم ، وهم الذين يقول القائل : فإنّ الخليفة كان أعلمهم على الإطلاق!
ويشهد هذا أيضاً على خلوّ الرجل من أكثر علوم القرآن الموجودة في بقية السور ، فإنّ تعلّمها على هذا القياس يستدعي أكثر من مائة وثلاثين عاماً حسب أجزاء القرآن الكريم ، فيفتقر الخليفة على هذا الحساب في تعلّم جميع القرآن إلى ما يقرب من مائة وخمسين عاماً ، ولا يفي بذلك عمر الخليفة ، على أنّ الأحكام في غير البقرة من السور أكثر ممّا فيها ، فكان خليفةً ومتعلّماً ـ والخليفة هو معلّم الناس لا المتعلّم منهم ـ ولهذا كان لا يهتدي إلى جملة من الأحكام الموجودة في القرآن ، وكان يحسب أبسط شيء من معانيه تعمّقاً وتكلّفاً ويدّعي أنّه نُهي عنه (٣) ، وكان يقول : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أُبيّ بن كعب. إلى آخر ما مرّ عنه (ص ١٩١).
هذا شأن الخليفة قبل طروّ النسيان عليه ، وأمّا بعده فروى محمد بن سيرين : أنّ عمر في آخر أيّامه اعتراه نسيان حتى كان ينسى عدد ركعات الصلاة ، فجعل أمامه
__________________
(١) عمدة القاري : ٢ / ٧٣٣ [٥ / ٢٠٣] نقلاً عن النهاية. (المؤلف)
(٢) فتح الباري : ٨ / ١٣٠ [٨ / ١٦٠]. (المؤلف)
(٣) راجع صحيفة : ٩٩ ، ١٠٠ من هذا الجزء. (المؤلف)