الخليفة يحسب أنّ من يكنّى به يرى نفسه أباً لعيسى بن مريم ويكنّى به حتى يُقال عليه : فهل لعيسى من أب؟ أو أنّه لم يرَ لعيسى الذي كنّاه به أبوه من أب؟ وكان يحسب أنّ الآباء يكنّون بأسماء أولادهم ، ومن هنا قال لصهيب : مالك تكنّى أبا يحيى وليس لك ولد؟
٤ ـ وأعجب من هذه كلّها أنّ الخليفة بعد سماعه من المغيرة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كنّاه بأبي عيسى لم يتزحزح عن رأيه ، وقد صدّقه في مقاله ، لكنّه عدَّ ذلك ذنباً مغفوراً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأراد أن لا يذنب هو ولفيفه إذ لا يدري ما يُفعل بهم ، وليت شعري هل أثبت كون ذلك إثماً مستتبعاً للعذاب أو المغفرة ببرهان قاطع؟ ثمّ علم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ارتكبه فحكم بالمغفرة له بدلالة الآية الكريمة من سورة الفتح؟ لا ، لم يثبت ذلك إلاّ بتلك السفسطة من قوله : هل لعيسى من أب؟ إن كان الأوّل ـ ولا أقوله ـ فمرحباً بنبيّ غير معصوم! والعياذ بالله ، وإن كان الثاني فزهٍ بقائل لا يعلم!
٥ ـ إنّه بعد ما حسب كون هاتيك التكنية سيّئة جعل التعزير بها عَضّ اليد قبل الضرب ، ولم تسمع أذن الدهر بمثل ذلك التعزير القاسي قطّ.
٦ ـ إنّ ممّا اختاره الخليفة من كنى العرب : أبا مرّة. وقد مرّ نهي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التسمية بمرّة. على أنّ أبا مرّة كنية إبليس كما في المعاجم (١). وقيل تكنّى بابنة له تسمّى مرّة. وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التسمية بحيات وقال : فإنّ الحيات الشيطان. وأخرج أبو داود في سننه (٢) (٢ / ٣٠٨) ، عن مسروق ، قال : لقيت عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقال : من أنت؟ قلت : مسروق بن الأجدع ، فقال عمر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : الأجدع الشيطان. فكأنّه كان ناسياً ذلك حين أمر بالتكنّي
__________________
(١) قاموس اللغة : ٢ / ١٣٣ [ص ٦١٠] ، تاج العروس : ٣ / ٥٣٩ ، لسان العرب : ٧ / ١٨ [١٣ / ٧٦]. (المؤلف)
(٢) سنن أبي داود : ٤ / ٢٨٩ ح ٤٩٥٧.