ومددتهما بسلاح واحد فترى النفوس الساذجة لسلامة الفطرة وصفاء القريحة مجلية في ذلك الميدان. كذلك الأراضي إنما تفيد وتجود بإتقان الخدمة ولا تفيد جودة التربة وحدها. أما مع التساوي بين نوعي الأرض في العمل ، فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه. لذلك فالبساط الأخضر والنبات الناشئ في مملكتهم لم يكن هبة ، وإنما صنعوه بكد اليمين وسقوه بعرق الجبين ـ قلت ومن لم يعرق جبينه عملا يعرق وجهه خجلا ـ وفعلا كنت في أثناء تسريح الطرف من روشن القطار في المزارع التي استوت على سوقها تعجب الزراع أمسح جبيني من العرق. فهل أدركتني دهشة الخجل؟ أو الإعجاب بالعمل؟ أو ذلك من حر الشمس الذي يؤثر قليله لقلة النسيم عندهم على خلاف المعتاد عندنا؟ ثم راجعت نفسي بعد إجالة النظر وجولان الفكر فيما بين إفريقيا وفرانسا ، وهو أسرع من لمح البصر ، وقلت الآن نهارنا ليل بأمريكا. فشمس النهار كشمس السعادة وحياة الفكر متى تشرق على قوم تغيب عن آخرين ، ذلك تقدير العزيز العليم. فلا يمكن أنه يكون سكان جميع الأرض في يقظة أو نوم في وقت واحد في جميع القارات. أو تستمر اليقظة أو يدوم الرقاد في سائر الأوقات.
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة |
|
إذا اخضر منها جانب جف جانب |
ولكن لو خلقنا في تلك الأرض وبين مثل أولئك السكان لكنا مثلهم في العمل.
والبيئة التي يخلق فيها الإنسان والوسط الذي يتربى فيه مما له تأثير على الإرادة ومتانة العزم والتفكير الصحيح. ومن تنبه أو أراد الرقي ، فمثله كمثل طائر محاط بقفص العوائد ومقوص جناح العلم ، فهل يمكن أن ينهض بدون جناح؟ أو ينقاد ذلك الوسط بسهولة للإصلاح؟ نعم إن ممازجة الأمم الراقية ينفع الأمة المتأخرة. وقد علم مما تقدم في تاريخ فرانسا أن مبدأ التفات الأنظار إلى الزراعة والانتفاع بثمرات الأرض كان عند احتلال الرومان لفرانسا ومن القرن الأول قبل المسيح بعد أن كانت الأرض خدمتها بسيطة وغالبها مستنقعات وموات. والأمم الراقية متى حلت أرض قوم لا يعلمون بذرت من حضارتها فيها فتنتج المملكة زرعا طيبا يتنفع به المالك والأجير ، يعجب الزراع ، والزائرين للاستطلاع. وكذلك الأندلس في عهد العرب ، وكتبهم في