فيما بين مرسيليا وكرونوبل». فالشمس أبدلت ظلمة السجين ضياء ووحدته مزدوجة مونسة وأنعشته بتنقية الهواء الذي يتنفس فيه ولذلك ترى جسمه خصبا.
والفيلسوف لا تكدره الحوادث ، تراه واقفا ثابتا مفكرا في أدوار الدهر العجيبة الزائلة يقرأ على صحيفة الشمس كل يوم رسوم الحوادث وغرائب الأخبار مصورة في مرآة كوكب النهار. وهذا منظر كل من يراه يرثي لحال هذا الرجل وما هو عليه من الإهانة من بني جنسه لمقاصد دنيوية فانية محتقرة ، وذات ابن آدم وروحه أكبر وأرفع من ذلك. وكأنه ينشد وهو متأثر من أعمال البشر ونكبات الدهر قول ابن سينا :
دخولي عن يقين كما تراه |
|
وكل الشك في أمر الخروج |
ولاحتقاره لهاته الأعمال شبك ذراعيه على صدره شاخصا ببصره إلى قرص الشمس ، منتظرا تجليات رحمة المتعالي ، مناديا ربه في تلك الظلمات إلى أن استجاب له بعد ست سنوات ـ بلغني أن كثيرا من الشعراء منهم فيكتور هوكو واللورد بيرون الشاعر الأنكليزي كتبوا على هذا السجن ولم أطلع على آرائهم فيه فكتبت ما كتبت ـ وقفت برهة حول هذا القصر واشتريت بعض مفكرات من بايعتها بجواره.
وفي الرجوع من فيفي إلى جنيف ركبت من إحدى المراسي البحرية التي على شاطئها المسماة فيفي مارشي لقربه منها بعد المرور على بطحاء الكارواتيل دوبون الذي عرفني رفيقي عن نظافة رياشه وتناول كافة المرافق منه بسهولة زائدة على المعتاد في غيره. وهو بقرب القنطرة المقامة على نهر فيفايز الآتي من الجبال شمال القرية ، وبقرب هاته البطحاء شمالا محطة سكة الحديد الرابطة بين جنيف ولوزان والقرى المبثوثة على الشاطئ ـ وكان اسم السفينة التي رجعنا فيها بونيفار وفاقا لاسم السجين شيو الذي رثيناه فأرسل باسمه لوداعنا شاكرا. تقف هاته السفينة على كافة المراكز والقرى بالشاطئ الشمالي السويسري والموسيقى لا توجد في السفن الطائفة على المراسي ، ولعلهم أرادوا تسلية المسافر بها في السفن التي يكون سفرها على الجادة وبعيد الشقة.
أما السائرة مع الشاطئ فحركة النازلين والراكبين تشغل المسافر في مدة الأربعة