أتقن ، شأن البساطة في المأكل والملبس وقوة التغلب وكثرة الأيدي والفراغ للعمل والاعتناء بالشهرة وطول أمد التملك. وأكبر ما تركه الأول بهذا القطر مما عثر عليه إلى حد الآن هو ما وجد في أطلال العاصمة العتيقة من قرطاجنة ، ثم القاعدة الثانية المزاحمة لها وهي سبيطلة بعمل ماجر ، التي التجأ إليها الروم لما استبدوا على ملك القسطنطينية وبقصر الأجم بعمل المهدية ، وهو تياترو عتيق التجأ إليه الروم عند تغلب العرب على سبيطلة ، ودقة بعمل تبرسق «اصطفورة». ولا تزال الأيدي تكشف من حين إلى آخر المسكوكات من خالص النقدين في خرابات الأول ومقابرهم العتيقة التي من عادة تلك الأجيال أن يصحبوا بعض موتاهم بشيء منها وبالحلي والجواهر ، والبعض بالآنية الخزفية المستعملة للأكل والشرب والاستصباح.
وأحيانا تكون من البلور السماوي النفيس. وربما بقيت عادة استصحاب أحسن الملبوس وأفخر الثياب للميت إلى هذا العهد في بعض جهات المملكة ولا عجب في تقليد السلف للخلف بقطع النظر عن منشأ العادة واختلاف العقيدة. والتاريخ يقص علينا ما أصحب به المعز بن باديس جدته من غالي الجوهر ورفيع العنبر وخالص التبر وجيد الخشب في أوائل القرن الخامس هجريا إلى قبرها في بلد المنستير دار الرباط من أوائل الفتح. ولعل هذه الأوهام في السرف هي التي أنشأت في النباشين فكرة نبش القبور وسلب الموتى. ومتحف باردو الآن غني بمصنوعات الأول. وفي فرانسا لا يخلو بلد من دار آثار مع مكتب للتعليم ومعبد ديني ومستشفى صحي ومحل للتمثيل ونزل للمسافرين ، والمملكة التونسية جارية الآن على ذلك المنوال.
اعتنى ملوك الإسلام بالمصنوعات والتحف والمكاتب والمستظرفات فكانوا يجمعون المجوهرات ومصنوعات المصوغ وآلات السلاح ، تنتقى لهم من غاية ما بلغت إليه درجة الصناعة في عصرهم وترفع إليهم من نفائسها تقربا واستجداء وطمعا في أغلى الأثمان التي لا تجود بها إلّا خزائن الملوك الواسعة ، وتجلب إليهم من الأقطار. وهم يبعثون أيضا في نيل كل ما يعوزهم مما يظهر على وجه البسيطة غريبا ورفيعا ، فتتجمع لديهم مختلفات المصنوعات على حسب اختلاف الأذواق والعوائد بالأقطار وأجيال الأمم ، فتكون في خزائن الملوك وحاشيتهم ورجال الدولة والوزراء من كل جنس أنواع بديعة. ويعظم ذلك كلما عظمت ثروة الدولة واستمرت مواصلتها مع الدول والأمم