الغريبة منذ آلاف من السنين. بلغني أن المخابرة تجري بين أعلى الصرح وبين بحيرة تشاد في دواخل الصحراء الكبرى بسودان قارة إفريقية بواسطة التلغراف اللاسلكي في مدة ست ساعات. أما المغرب الأقصى فالحديث معه فيه ، أسهل وأقرب من احتلال أراضيه. لما لأمة فرانسا من البراعة في العلوم والتقدم بين الدول في الفنون ، وكانت سرعة المخابرة بواسطة البناءات الرفيعة معروفة ومستعملة في شمال إفريقيا وسلطنة القيروان.
قرروا أن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب لما ولي إفريقية في سنة إحدى وستين ومائتين بنى الحصون والمحارس على ساحل البحر ، حتى كانت توقد النار من مدينة سبتة إلى الإسكندرية فيصل الخبر منها إلى الإسكندرية في ليلة واحدة وبينهما مسيرة أشهر.
والبساتين والرياض في المدينة كثيرة منها شأن زيليزي والتويلري ، والأول غربي بطحاء كونكورد والثاني شرقيها. وبستان مجلس الأعيان وأكثر ما رأيت فيها الصبيان يمرحون بعدا عن المزاحمة بالطرقات وخطرها. والطيور في هاته البساتين تألف المتجولين لإحسانهم لها ، ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا. تراهم يمدونها بالمطعومات فتتلقفها هذه من أيديهم ولا يتعرض لها كبير أو صغير بأدنى أذى :
تسقط الطير حيث تلتقط الح |
|
ب وتغشى منازل الكرماء |
وأكبر البساتين ما كان غربي المدينة ويسمى بواد بولونيا. وهو غابة عظمى بها بحيرات وطرقات بعيدة الغاية يقصدها أغنياء باريز في العربات على اختلاف أشكالها وأنواعها ، ومشيا على الأقدام للتجول في رياضها بأكمل زينة وأحسن هندام واستنشاقا للهواء النقي. وأما محلات جلوسهم ومجامعهم ليلا فديار التمثيل ، التي سيأتي الكلام عليها في فصل خاص ، والقهوات الكبرى ، ومن بطحاء اللبيرا وقهوة السلم «كافي لا باي» وشارع الطليان إلى شارع مونمارتر وكافي روايال ، التي هي مجتمع المشارقة ، يستمر التجول والسهر غالب الليل.