٢ ـ باريز محصنة بسور وقلاع وثكنات العساكر في ضواحيها ، وموقعها علمي يسهل وصول كل الناس إليه ، بخلاف ما لو كانت دونها قمم الجبال وخلجان البحار ، لكانت أشبه بمعقل حربي فتضيق بالمقيم وتشق على المستطلع. وعلى كل حال فدرجتها بالنسبة إلى سطح البحر ليتها كانت بمكان أرفع ، وفي خبايا جبال أمنع لما علم من أن ارتفاعها نحو الأربعين ميترو فقط وأن هواءها متغير وربما كان راكدا ثقيلا يصعب معه التنفس.
٣ ـ غير أن التحسين بلغ فيها حدا من العناية لا تدركه عواصم الممالك فيما بلغنا وتحدث به الغرباء الذين عرفناهم فيها وأقروا بمنتهى نظافتها وإبداع تنويرها وارتفاع قصورها وإحكام هندسة بناءاتها. وصرح إيفل أو صومعة باريز سما على جميع بناءات العالم ، وبلغ ارتفاعه إلى ثلاثمائة ميترو ، ويذكر ناظره بمضي مائة سنة عند تأسيسه ١٨٨٩ على الثورة الكبرى والجمهورية الأولى لفرانسا التي كانت سنة ١٧٨٩ ، وبه ثلاث طبقات يصعد إليها برافعة وبفرنكات ٣ معدودة.
وللسيد صالح سويسي :
فالصرح مد إلى الكواكب كفه |
|
فصبا عطاردها إليه وسلما |
أوحى لإيفل علمه أن ابن لي |
|
صرحا يكون على العلوم مترجما |
لم نر عند الصعود إليه أطراف المدينة لتكاثف دخان الماكينات وركود الغيم على جوها ، حيث يد الهواء بالمد ضعيفة في جو باريز وبالقصر قوية في أرضها على ما ذكروا. أما التنفس فهو ثقيل بهاته المدينة القاهرة كثيرة النفوس والأنفاس ، ولكن تتسلى حاسة الشم هناك بما تتنعم به فيها بقية الحواس. يساوي هذا القصر في الارتفاع مئذنة دلهي بالهند التي حدث عنها المؤرخون قديما ، فقد نقل صاحب مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار عن أبي بكر برهان الدين بن الخلال أن في مدينة دلهي بالهند الجامع المشهور المئذنة ، التي ما على بسيط الأرض لها شبيه في سمكها وارتفاعها ، وعلوها ستمائة ذراع في الهواء ، والهند والصين لهما الحضارة