الصور التي ورد ذكرها في أثناء الحديث على الساعة التي كانت لملوك تلمسان ، تخرج منها جارية بيمناها كتابة تتضمن اسم الساعة ويسراها على فيها كالمبايعة. والعادات ربما اندثرت بمنابتها الأصلية وتوارثتها الأمم البعيدة. وانظر ما نقله ابن الكردبوس التوزري في تاريخه من سؤال الخليفة المعتمد العباسي المتوفى سنة ٢٧٩ لابن خرداذبه عن الرقص حيث قال له : صف لي أنواع الرقص والصفة المحمودة من الرقاص وشمائلهم ، فقال : يا أمير المؤمنين أهل الأقاليم والبلدان مختلفون في رقصهم ، والرقاص يحتاج إلى أشياء في طباعه وأشياء في خلقته وأشياء في عمله ، فأما ما يحتاج إليه في خلقته فطول العنق والسوالف وحسن الدل والشمايل ، والتمايل في الأعطاف ورقة الخصر والخفة ، وحسن أقسام الحلق والمناطق واستدارة أسافل الثياب ومخارج النفس ، والصبر على طول الغاية ولطافة الإقدام ولين الأصابع وإمكان بنانها في نقلها ، ولين المفاصل والأعطاف وسرعة الانفتال في الدوران. وأما ما يحتاج إليه في عمله فكثرة التصرف في ألوان الرقص وإحكام كل حد من حدوده ، وحسن الاستدارة وثبات القدمين على مدارهما ، واستواء ما يعمل بيمين الرجلين ويسراهما ، حتى يكون ذلك واحدا. ولوضع الأقدام ورفعهما وجهان ، أحدهما أن يوافق بذلك الإيقاع والآخر أن يتباطى به حتى يكاد يموت. فسر المعتمد بذلك وخلع على ابن خرداذبه. تجد كثيرا من ذلك التفصيل ينطبق على ما عند الإفرنج في مراسح التمثيل. وفي القاموس ردت الجارية رفعت رجلا ومشت على أخرى تلعب. أطلنا في هذا الغرض الكلام ، إيفاء بحقوق كل مقام.
والعرب أعيانهم وملوكهم بلغوا حد الغاية في الاعتناء بمجالس الموسيقى ومجالس الأنس في أوقات مخصوصة لترويض النفس وجمع الفكر ، وربما كانت للروح علاقة بالنغمات ، ولأهل التصوف ذوق في هذا الفن والأطباء يستعينون به في المداواة.
وتأثير الألحان محسوس فعال حتى في عجم الحيوانات يطربها ويحثها ، غير أن العكوف على آلات الطرب وألحان الغناء لإضاعة الوقت والسير مع الهوى مما ينافي صفات الرجولية ويذهب بالشهامة. الأروباويون عرفوا قيمة الموسيقى وتأثيرها على النفس مثلما عرفها العرب قبل ذلك ، ولا زالت تآليفهم شاهدة بالاعتناء والإتقان.
وهي التي قلدهم بها غيرهم وصارت للإفرنج أوقات خاصة لها وأماكن معلومة